في عام 2001، أقام الفنّانان القطريان علي دسمال الكواري ومسعود البلوشي أوّل معرض مشترك لهما. كان الأوّل مشغوفاً بالسريالية، والثاني بالواقعية، قبل أن تجري مياه كثيرة في مجريَيْن لكلّ منهما خصوصيّته.
في معرضهما الجديد، الذي افتُتح اليوم الإثنين في المبنى 18 بالحيّ الثقافي "كتارا" في الدوحة، قرّر الفنانان أن يخوضا تجربة مشتركة من جديد، عبر 45 عملاً، كما قرّرا أن تحمل هذه التجربة اسم "حرّي جرّي".
والحقيقة أن التعبير الشعبي "حرّي جرّي" (الذي يعادل في مناطق عربية أخرى "ناقر ونقير") كان اختيار الفنّانين بالقدر الذي اختاره أصدقاء ومعارفُ يشهدون على "الخصومة" الفنّية في وجهات النظر وطرق التعبير، ثم يجدان بعضهما البعض شريكين لا يفسد لودّهما قضية.
يريد الفنّانان التأكيد على رحلتهما المشتركة المتفارقة في عتبة تشكيلية قُبيل دخول المعرض. ثمّة لوحتان تعودان إلى ما يزيد على عشرين عاماً، الأولى واقعية للبلوشي، بعنوان "بداية حلم"، والثانية للكواري، سريالية، بعنوان "معاناة الزمن".
ذهب الكواري في حصته من المعرض إلى اسكتشات بالحبر والزيت، جميعها مركّزة على "قنديل البحر"، وهو كائن رخويّ بحريّ، يظلّ ملهِماً بصرياً مع الحفاظ على سمعته غير الطيّبة بين مرتادي البحر ممّن تعرّضوا للسعاته الموجعة.
يعيدنا الكواري إلى طفولته، حيث يقول في حديثٍ إلى "العربي الجديد" إن علاقته بقنديل البحر لها ذكرى لم تُمحَ، حيث سبح بين القناديل رغم النداءات التحذيرية من والده على الشاطئ، ولم يتعرّض لأذى.
بدت هذه التجربة جماليةً، على غير المعهود ممّن يحكون عن إفساد القناديل أيّامهم في البحر، وجعلته يبحث في ماهية كائن جميل وقديم، يواصل عيشه بلا عضلات، مكتفياً بخلاياه العصبية التي تخرج من ألوانه وسُمّه.
حصيلة العلاقة مع هذا الكائن كانت ــ إضافةً إلى السكتشات ــ عملاً تركيبياً من خامة الحديد، وصولاً إلى العمل التركيبي الأبرز المعلّق وسط القاعة، على شكل دمية، أطلق عليه اسم "دول"، لاعباً على التطابق اللفظي بين كلمتَيْ Doll، والتي تعني بالإنكليزية "دمية"، و"دول" التي تعني باللهجة الدارجة "قنديل البحر".
استخدم الكواري في "دول" الحديد وخيوط الصيد والقطن والقماش المشكوكة بألف دبّوس، بينما الألوان أخذت طابعاً متدرّجاً من الشاطئ إلى العمق.
بدوره يقول مسعود البلوشي، بحسب بيان "كتارا": "نحن تربّينا ونشأنا مع بعضنا البعض، والفن هو الرابط الذي جمعنا. لقد بدأنا بمرسم واحد ثم في 2001، ثم بدأ كل واحد منّا يتّجه الى المدرسة الفنّية التي يتوافق معها. وفيما بعد قررنا أن ننطلق مع بعض في معرض مشترك، قبل أن يبدأ كلّ واحد منا إقامة معارضه الشخصية".
تجربة البلوشي الأخيرة في المعرض المشترك، كما يلخّصها لـ"العربي الجديد"، هي حركة اللون ولغته الحرّة على السطح.
يقول إنه خرج من قيود الواقعية بالتدريج نحو لوحة تمنح ذاتها اسمها. واحدة فقط من اللوحات قرّر أن يمنحها اسم "ثبات"، لأنها بقيت زمناً مرسومةً بالأسود والأبيض ومركونةً جانباً، قبل أن يلاحظ ثباتها أمام التحوّلات، فيقرر إضافة خلطة غنية من الألوان، ليصير الأسود والأبيض القديمان خلفيةً.
ووفقاً له، فإن صراع الذات الفنّية قد تبدو مثل متعة صعود الجبل وتَعَبه، بينما امتلاك تقنيّة الرسم ليس هو مجال الصراع، مبيّناً أنه قد ينجز أيّ مشروع فنّي في غضون شهر، بينما الطريق إليه قد يستغرق سنة.
يُذكَر أن علي الكواري بدأ مشواره الفني في عام 1993، حيث تعلّم أساسيات الفنّ على يد فنانين كبار، وتأثّر في بداياته بالمدرسة السيريالية وتبعها بالواقعية. وهو يركّز كثيراً على الواقعية الانطباعية التي تصوّر الحياة اليومية والبيئة القطرية.
أمّا مسعود البلوشي فبدأ مشواره سنة 1994، وعمل على تطوير نفسه من خلال مدارس فنّية متعددة، وأبرزها الواقعية التأثيرية والانطباعية، واتّسمت أعماله الأخيرة من خلال بحثه المستمرّ في معالجة الأسطح، معبّراً عمّا تحمله من أحلام وفلسفة، بأسلوب بصريّ موزون بألوانه الجذّابة والمتداخلة بالشفافية.