افتُتح مساء الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في "مؤسسة الحوش الفنية" بالقدس المحتلّة معرض "مُدُن لا تموت: سرديّات المحو والتحرّر"، ويضمّ سبعة عشر عملاً تتوزّع بين اللوحات والأعمال التركيبيّة والفيديو لسبع عشرة فنانة وفناناً فلسطينياً من أجيال مختلفة، ويتواصل حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
في عمله "النار" يقدّم بنجي بويديجان (1983) فيديو لأحد الحرائق التي وقعت في منطقة وادي الشامي بين القدس وبيت لحم عام 2021، في لقطة طويلة ومؤقتة للوادي المشتعل. يبرز الحدث في سياق كلية الوقت الذي يغطّيه الفيديو وتظهر لقطات للمشهد الطبيعي المنكوب ما بعد الكارثة وتختفي في هيئة أشكال شبحية في الدخان المتصاعد.
أما عمل "المدينة" لتالا صندوقة فهو مشغول من نسيج من حبال قشّ وحبال خيش مصبوغة صباغة طبيعية على إطار من خشب السروف، حيث يبرز شعار "مركز الواسطي" الذي قام بتصميمه الفنان كمال بُلاطه عام 1994.
لوحات تستعيد وقائع وأحداث المدينة الفلسطينية المُستعمرة والمُبادة
"الأُمّ" عنوان عمل تيسير بركات (1959)، ويتكوّن من إطار نافذة خشبي مطليّ بلون أخضر تبدو عليه علامات الاهتراء والتآكل، ويصوّر امرأة وطفلاً في وضع تأمّلي، في حين تكشف "خرائط" تينا شيرويل عن الطبقات المتعدّدة للدلالات التي تحملها المشاهد الطبيعية، بالمقابل يقيم رؤوف حاج يحيى في عمله "على مرمى من ركام المدينة" جولة في الإرث المعقّد لتاريخ طويل من الاستعمار والسلب واحتلال المكان والحقوق، وكذلك تبدو مدينة سليمان منصور "المهدّدة"، مجرّد شظايا صغيرة من زيت وأكريليك على قماش ممتدّ.
وتستعيد شروق حرب عنواناً درويشياً "في حضرة الغياب" (16 دقيقة) لشريط الفيديو الذي أنتجته في محاولة لإعادة اكتشاف معاني الحب والصداقة والتاريخ وفلسطين، بينما تُسائل شهد الشمالي، في قصّتها المصوّرة "لم يكن حلماً"، واقع الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها أبناء شعبها. ويلقي عبد الرحمن شبانة في فيلمه "كالتفاحة الحمراء" (دقيقة و33 ثانية) الضوء على إمكانات الإنتاج الفني في ظل الإبادة المستمرة.
"شيءٌ ما ميّت في كلّ هندسة" (أربع دقائق) عنوان شريط عبد الله البياري الذي يُحاول أن يفهم السياسات المكانية الاستعمارية في المدينة الفلسطينية بالمقارنة مع الإبادة المدنية الجارية في غزة حالياً، أما عز الجعبري فيحدّق من خلال عمله التشكيلي "ما لا يُرى" في "عين الإله" الاستعمارية التي التهمت مدينة الخليل، وفكّكت أرضها عبر نظام الفصل العنصري باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما يطرح العز حمّاد موضوع التهجير من حارة المغاربة في القدس بشريط يحمل عنوان "الحصين" (ثلاث دقائق).
ويحاول علاء بدران في "ديمومة" إحياء لحظات من أرشيف عائلته عبر تجميد الزمن في ثلاث صور عائلية ثابتة، وتسترجع فيرا تماري وقائع وأحداث جرت مع عائلتها قبل النكبة من خلال تسجيلات صوتية (على شكل قراءات) وصور معالجة بعنوان "ذكريات حيّة ومعاشة"، أما لبنى الصانع فترصد في عملها المعماري "لنراقبهم" المشهد السياسي والاجتماعي بديار بئر السبع المتفاعل مع عملية السابع من أكتوبر 2023، ويسعى محمود الحاج في شريطه "تشريح السيطرة" (17 دقيقة) إلى كشف "التطور" الذي رافق الحروب وأدواتها وعلاقة ذلك بالذاكرة والتكنولوجيا، في حين تكثّف لوحة "غزة" لنبيل عناني (أكريليك ومواد مختلطة على قماش)، والتي أنجزها عام 2014 ما يريد المعرض قوله عن حال المدينة الفلسطينية المستعمرة والمُبادة.