غزة توقظ بن جلّون من سباته؟

13 اغسطس 2014
ساركوزي مُقلّداً بن جلّون وساماً (تصوير: فيليب ووجازر/ 2008)
+ الخط -

أخيراً يستيقظ الطاهر بن جلّون (1944) من نومه ويصرخ: ما الذي تفعله الدول العربية من أجل إنقاذ غزة؟ ولكن أن يستيقظ المرء متأخراً - مقارنة مع استيقاظ مبكر لمفكرين وكتّاب وفنانين وساسة من كل بقاع العالم أدانوا المذابح الإسرائيلية في غزة - خيرٌ من ألاّ يستيقظ أبداً".

يبدأ الروائي المغربي مقاله في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية (11 آب/ أغسطس) بهذا الاستنتاج الساذج: "كان بوسع الدول العربية أن تتغلب على انقساماتها وتمزقاتها وتتجاوز هذا القَدَر المُسلَّط وتتحد في مواجهة عدو الشعب الفلسطيني".

يشير الكاتب إلى أن الشعوب العربية تحركت وتظاهرت دعماً لسكان غزة الذين يموتون تحت القنابل. ويتساءل، في الوقت نفسه، ببراءة مريبة: "لماذا لم تتحدث الدول العربية بصوت واحد ولماذا لم تقدّم لسكان غزة الوسائل المالية والعسكرية حتى يقاوموا وحشية الجيش الإسرائيلي؟" ثم يكشف عن بؤس الجامعة العربية وتفاهتها: "بعضهم كان يعتقد أنه بمجرد الاجتماع والبكاء المشترك فإن وضعية العالم ستتغير"، و"لكن هذا الواقع مزمن".

ينطلق الكاتب من صرخة لطفل في قناة تلفزيونية: "ولكن، لماذا لا يتحد العرب حتى يوقفوا قتل الأطفال في غزة؟" ويحاول أن يجيب على تساؤل الطفل: "الدول العربية تميزت بالانقسامات واستخدمت إمكانات مهمة من أجل إفقار الجار وحرمانه من الحياة. نتذكر حقبة معمر القذافي الذي كان ينادي بالوحدة. لم يكن غير جديّ فقط، بل وكان خطيراً حتى على شعبه وعلى باقي العالم العربي. كان يمول الإرهاب في العالَم ووصل به الأمر إلى إسقاط طائرتين مدنيتين".

ثم يستغرق بن جلون في الحديث عن تجارب الوحدة العربية المجهضة، ويتساءل عن سبب فشل المحاولة الناصرية: "تعطَّل التفكير وغاب التحليل الموضوعي وكذلك النقد". وينتقد تدخل 70 ألف جندي مصري في "حرب أهلية يمنية لم تكن لها أي علاقة بحياة المصريين". ويصل إلى تجربة صدام حسين وحربه القاسية مع إيران باسم "عروبة مهددة من طرف ثورة إسلامية فتيّة". وقد تصور صدام حسين أن يحظى بالشكر من قبل الدول العربية وتُمسَح دُيُونُه بسبب هذه "الحرب الغبية وغير المفيدة"، ولكنه "احتُقر وأهِين. وكي ينتقم، قال في اجتماع عربي في القاهرة في تمّوز/ يوليو 1990: غداً، سأتناول طعام الفطور في مدينة الكويت. ولم يكن الأمر مزحة"!

ويستعرض الكاتب بعض ما جرى بعد ذلك، إلى أن يصل إلى سنة 2003: "اجتاح بوش العراق بطريقة غير قانونية ودمّر هذا البلد كما تُسحَق نملة. كان بمقدوره أن يفعل ما فعل، وهو يعلم أنه لا يوجد أي بلد عربي يُعارضه".

ثم يصل بن جلون إلى الدين. "الذي حشا رأسه في هذه الوضعية"، ويقصد القاعدة والجهاد الإسلامي وحماس وأخيراً الدولة الإسلامية في العراق. ويعرج على الربيع العربي: "جرى تحويل مسار الربيع العربي. وحدها تونس استفادت، كما يبدو. بالنسبة إلى مصر، استولى العسكر على الثورة اللائكية والديمقراطية، كما كان الحال باستمرار، لأن مصر والجزائر كانتا، دائماً، تُداران من قبل العسكر. أما سوريا بشار الأسد فتواصل، دونما عقاب، مجازرها. والجهاديون الذين هم عبارة عن مرتزقة وتجار مخدرات ومختطفي رهائن غربيين فقد اندسوا وسط الثوار الديمقراطيين. وجاءت الانقسامات الداخلية لتلعب دورها أيضاً".

بعد هذا المسار، يصل بن جلون إلى وضع غزة. "في هذا الإطار الفوضوي والبئيس والمخجل ستتعرض غزة، بعد مقتل ثلاثة إسرائيليين وفتى فلسطيني، إلى طوفان ناري لا يفرق بين من يطلق القذائف ومن يذهب إلى المدرسة، بين عسكري وعائلات تموت في نومها تحت قنابل الجيش الإسرائيلي".

وبعيداً عن القيام بإحصاءات للموتى، يرى بن جلون أن "إسرائيل ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، وعاجلاً أم آجلاً، سيساق المسؤولون السياسيون والعسكريون أمام محكمة دولية".

ما العمل؟ يتساءل الكاتب الفرنسي المغربي. "على الدول العربية أن تنسى خلافاتها وأن تساعد، بطريقة جدية وملموسة، الشعب الفلسطيني. تستطيع، مثلاً، إنشاء صندوق من أجل فلسطين، تحت إشراف لجنة فوق كل الشبهات. (...) يجب أن نستلهم التضامن اليهودي مع إسرائيل. لماذا لا نقلد ما يفعلونه بذكاء ومهارة؟".

وبفضل "جزء بسيط من الثروة الضخمة التي يوفرها النفط والغاز في كل الدول الإسلامية، يمكن المساعدة على إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. (...) وهذا سيوقف الوصاية الاقتصادية الإسرائيلية وكذلك الحصار المخزي الذي تفرضه إسرائيل على الأراضي المحتلة".

"هنا مسؤولية الدول العربية"، يقول. لقد حوّل الجيش الإسرائيلي قطاع غزة إلى "حقل من الأنقاض ومن الحِداد". وينهي مقاله بأن هذه اللحظة "هي فرصة الدول العربية كي تتّحد وكي تُصِرّ على إعادة العدالة إلى الشعب الفلسطيني".

المساهمون