في عام 2016، أعلنت "مكتبة الإسكندرية" عن إقامة معرض "فاروق شحاتة: تجربة ممتدّة" ليصبح أحد معارضها الدائمة، ضامّاً مئة عمل تمثّل تجربة فنان الغرافيك المصري (1931 – 2017) وقامت المكتبة بعرضها على منصّاتها الإلكترونية أخيراً.
يتضمّن المعرض أعمالاً تنتمي إلى مراحله الأولى التي غلب عليها الحفر الناتئ الأملس (الليثوغراف) والغائر على ألواح المعدن، ما يبرز من خلال سلسلة أعمال "الخيول الجامحة" و"السدّ العالي" و"المناظر الخلوية عند الأقصر" التي تعكس قوّةً في التعبير وحركة درامية مع اهتمام بتباينات الظلّ والضوء، حيث يبدو أنهما يشعّان من الداخل.
في أعمالٍ أخرى، اشتغل شحاتة على صور فوتوغرافية ليقدّمها في أعمال طباعية تجريدية بالأبيض والأسود أو بتراكم لطبقات اللون، وهي تأخذ نزعة احتجاجية من خلال رفض القمع والظلم والقهر وكلّ ما يبطش بحياة الإنسان، ضمن تقاطعات مع تنظيراته السابقة التي أوضح خلالها تركيزه على المضمون داخل الأشكال التعبيرية التي يقدّمها.
عبّر الفنان في عشرات اللوحات عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والعالم العربي، كما صوّر واقع اللاجئيين الفلسطينيين، وترجم ثيمات أساسية تتعلّق بالحدود والمنفى والأسلاك الشائكة والحنين إلى الوطن، كما في أعمال "الليل الطويل" و"النكبة على الحدود" و"نظرة إلى الوطن السليب" و"الطائر الجريح" و"ولاجئة" و"خلف الأسلاك".
شحاتة المولود في الإسكندرية، تلقّى دروسه الأولى في الرسم على يد الفنان حامد عويس (1919 – 2011)، حيث تعلّم منه تصوير الحياة اليومية وتفاصيلها من خلال محاكاة الواقع ورسالة الفن في المجتمع، كما تعرّف إلى الفنان محمود سعيد (1897 – 1964) وتأثّر بموضوعاته المستوحاة من واقع الأحياء الشعبية، قبل أن يدرس على يد أستاذ الغرافيك والفنان عبد الله جوهر (1916 – 2006) مبادئ الطباعة الحريرية واللثيوغراف.
شكّلت الطبيعة مصدراً مؤسِّساً لتجربة شحاتة الذي بدأ بتوثيق الحياة في الريف المصري لكنه اندفع نحو تقديم ما يقاسيه الفلّاحون من مصاعب وأزمات بدلاً من التعامل مع جمال حقولهم بنوع من الرومانسية، والتي اختزلها بقوله: "إن الساقية الجميلة، في لوحات السابقين، هي في حقيقتها أخشاب متهرّئة تنعق وتبكي وتنوح، لم أحسّ بجمالها على الإطلاق، حيث لا فرق بين الآدمي والحيوان في الريف. لقد بهرني اكتشافي لهذه المأساة".
بعد تخرّجه من كلية الفنون الجميلة في "جامعة الإسكندرية" سنة 1962، بدأ عمله مدرّساً في الكلية نفسها، حيث اتّضحت الرؤية عنده في الممارسة والتنظير حول ضرورة استخدام الطباعة في التعبير عن القضايا والحقوق العربية وفي مقدّمتها الفضية الفلسطينية، وكذلك عن الظلم والاستغلال الاجتماعي، مستفيداً من إمكانية أن تكون أعمال الحفر والطباعة في متناول جميع الناس لأنّ نسْخَها في عدّة نسخ يخفّض من أسعارها قياساً بأعمال فنية أخرى.
في مسار موازٍ، أصدر شحاتة عدّة دراسات حول العلاقات اللونية، حيث بحث في جانب منها العلاقة الشكلية بين صور الكون الكبير المتمثّل في المناظر الطبيعية والصور الفضائية وبين الصور الميكروسكوبية في الكون الصغير وما تجسّده الكائنات الحيّة. كما نال درجة الدكتوراه عن أطروحة متمثّلة بمئة وأربع وأربعين لوحة بناها على شكل هرمٍ لتُظهر التبادل والانسجام في استخدام الألوان.