فلوبير: نصوص الشباب في صورة جديدة

24 يونيو 2023
غوستاف فلوبير (Getty)
+ الخط -

بين مطلع 2021 ونهايته، احتشد الفضاء الثقافي الفرنسي بتنويعاتٍ لا تكاد تُحصى من المنشورات والمراجعات والمعارض والجلسات والاستعادات التي راحت تحتفي بالكاتب غوستاف فلوبير (1821 ــ 1880) في الذكرى المئوية الثانية لولادته.

ويكفي التأمُّل بعض الشيء في المعجم الذي شاع استخدامه خلال الاحتفاء بفلوبير لفهم المكانة التي يحظى بها في فرنسا، حيث شاعت عبارات "أب الرواية الفرنسية" و"أب الرواية الحديثة" أو "أب الرواية المنشورة على دفعات في الصحافة"، إلى جانب سلسلة طويلة من المقابلات التي نشرتها مجلّة "لوبسرفاتور" تحت يافطة "هل فلوبير معلّمكم؟"، وقد ردّ فيها بالإيجاب عشرات الكتّاب البارزين، داخل فرنسا وخارجها، ممّن شرحوا تأثيره الكبير في تطوّر الرواية العالمية. ومن هؤلاء، على سبيل المثال فقط، الكاتب التركي أورهان باموك، والروماني ميرتشا كارتاريسكو، وحائزة "نوبل للأدب" آني إرنو، التي قالت في لقائها: "كان فلوبير معلّمي الأوّل".

في سلسلة "فوليو كلاسيك" لدى منشورات "غاليمار" الباريسية، صدر حديثاً كتابٌ لـ فلوبير بعنوان "نصوصٌ سردية من الشباب"، بتحرير كلوديت غوتو ميرش ومراجعة إيفان لوكلير، وهما اثنان من أبرز المختصّين بأعمال الكاتب الفرنسي.

وإذا كانت نصوص صاحب "مدام بوفاري" خلال سنواته الأولى من التأليف معروفة بشكل شبه كلّي، فإن هذا الكتاب يأتي ليتمّم هذه المعرفة بنصّين كان يعرف المختصّون بأعماله أنهما موجودان، لكنّ مسوّدتهما ضاعتا منذ عام 1931.

فلوبير

والحديث هنا عن نصَّي "نوفمبر" و"بيرينيه وكورسيكا"، حيث يروي الأوّل، الذي كتبه فلوبير عام 1942 (كان في الحادية والعشرين من العمر) اكتشاف شابٍّ مُراهق للحُبّ واللّذة الجنسية، مقترباً فيه من "آلام فيرتر" لـ غوته، حيث الرومانسية والأوجاع الغرامية تطغى على السرد، وهو بلا شكّ ما دفع فلوبير لاحقاً إلى حذف هذا النص من سلسلة منشوراته، واصفاً إيّاه بأنه أشبه بـ"طبخة رومانسية بائتة".

أمّا "بيرينيه وكورسيكا"، فيسجّل رحلة قام بها فلوبير عام 1840 إلى الجبال الواقعة جنوب فرنسا ومن ثمّ إلى الجزيرة المتوسّطية (التابعة لفرنسا)، والتي وصل إليها بعد رحله قطع فيها العديد من المدن في جنوب فرنسا. وهو يدوّن في يومياته هذه مشاهداته للمناظر الطبيعية، وجلساته في المقاهي والمطاعم، ضمن لغة تُراوح بين الوصف التفصيلي والموقف النقديّ (كانتقاده لدليل سياحي وللرحلات المنظّمة من أولها إلى آخرها)، مع تعلُّقٍ بما يبدو له شرقياً، كما هو الحال مع ملاحظته لوجود نخلة ستفتح في مخيّلته آفاقاً نحو الشرق، بل حتى الهند!

إلى جانب هذين النصَّين، يشمل الكتاب أيضاً نصّين آخرين، معروفَين في انتمائهما إلى مرحلة الشباب من تجربة فلوبير، وهما "مذكّرات مجنون" و"رحلة إلى إيطاليا".