رحبت بلجيكا بنا، على أحسن وجه، فرمتنا في مخيم بروخم (القريب من أنتويرب) عاماً ونصف العام، وقبلها، رمتنا في مخيم البيتي شاتو ببروكسل، شهرين اثنين، والآن ترمينا في جنة بلا ناس، منذ خمسة شهور: في فيلا منعزلة، تفتقر إلى أيما جار (سوى جارة صبية، نراها على الجانب المقابل من الشارع العام، وهي تعتلي صهوة خيلها، وتتدرب كفارسة على قفز الحواجز، بزي الفارسة الكامل، يومياً)، وتقع على طرف غابة، وبجوارنا مراوح الطاقة الخضراء العملاقة، منتشرة بكثافة، على مد البصر، خصوصاً من جهة الشرق (بالمناسبة، اختلطت عليّ الجهات هنا، فلا أعرف منها سوى الشرق، حين تشرق شمس الصباح، التي أتابعها كلّ يوم بالنظر، كي أتأكد من الحقيقة، وعكسه الغرب، في حينه، مع مغيب الشمس. وللأسف: القمر هنا كبير وبارد وأبيض جداً، لا يشير إلى أيّ جهة!).
وعليه، فقد بدأت بلجيكا المباركة، ولمّا تزل، في رعايتنا، فسمحت للشاعر بالكتابة في ظروف استثنائية جداً: من زحمة المخيمات المروعة إلى عزلة الغابة المروعة، هكذا بشكل متطرف. فالبلاجكة لا يحبون الاعتدال.
أطلّ كلّ فجر، على ما يجري في الغابة: حركات استيقاظ الطيور (ثمة طائر جار يبني له عشاً منذ حوالي أسبوعين، ولم يكتمل العش بعد).
أطل وأقرر: تعتبر أحجار القلعة لوحة سبر ممتازة، وتكتسب الآلات الوترية لفرقة طيور الصباح، التي يؤديها بيتهوفن وموزارت على الشرفة المفتوحة على الهباء الجوي، قوة جليلة وخارقة للطبيعة، لدرجة أن قوارب الصيادين تقترب على طول الجروف.
والحمد لمن لا يُحمد على حال مايل، سواه.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا