في المحاضرة الأُولى التي تلقّيناها، بداية سبعينيات القرن العشرين، عن الأدب الأوروبي، كان محاضراً في العقد الخامس من عمره، لديه لكنةٌ محبّبة هي فصحى ناعمة مبطّنة بخليط مُبهج من إحدى اللهجات الفلسطينية والدمشقية معاً، يقدّم نفسه لنا بِاسم: حسام الخطيب.
كان المقرَّر جديداً على قسم اللغة العربية، وبينما كانت محاضراتُه مُشبعة بالعلم والمعرفة اللذين حملهُما معه من "جامعة كامبردج" حيث درس، فإنّ الأستاذ استطاع بكثير من القدرة على التركيز وضبط المادّة الثقافية أن يقدّم لنا عصارة الأدب الأوروبي في كتاب جامعي واحد أطلق عليه اسم "الأدب الأوروبي تطوّره ونشأة مذاهبه".
وهكذا فإنّنا وجدنا بين أيدينا في قسم اللغة العربية الذي اعتاد أن يدرّس الأدب العربي وحده، وربما الأدب العربي القديم، الذي ينتهي أمره عند عصر المماليك، وما سُمّي بعصر الانحطاط، مادة أدبية موازية تقدّم تصوّراً مختلفاً عن العالم، هي مادة الأدب الأوروبي. لا يكتفي حسام الخطيب بتاريخ الأدب، بل يُقدّم تلخيصاتٍ حيوية للغاية عن الأعمال الأدبية الكبرى، الأكثر شهرة في العالم الغربي، وفي العالم أيضاً، وعن الكتّاب المعروفين أيضاً.
كان حسام الخطيب متفرّداً في مواقفه الديمقراطية تجاه المناقشات
لم يكتفِ الأستاذ بهذه المادّة الجديدة التي أدخلها على منهج الدراسة، بل أضاف إليها مادّة أُخرى هي الأدب المقارن، وكتب لأجلها كتاباً دراسياً هاماً، هو "أبحاث نقدية ومقارنة". أعتقد أنّ الهدف من الدراسات المقارنة كان يستبطن رغبة من الأستاذ في وضع طلّاب القسم، وكان قد أضحى رئيساً له، في مناخ الأدب السوري حصراً، إلى جانب الدراسات المُقارنة المتنوّعة، إذ تضمّن الكتاب فصلاً طويلاً بعنوان "المؤثّرات الأجنبية في نشأة القصة السورية وتطوّرها"، وقد صدر في ما بعد في كتاب مستقلٍّ عن "اتحاد الكتّاب العرب"، وفيه تعريف بالأدب السوري، ونشأة القصة السورية، ودراسة مقارنة لروايتَي "في المنفى" لجورج سالم، و"العُصاة" لصدقي إسماعيل.
أمّا خارج الجامعة، فقد كان مشجعّاً لترجمة عدد من الكتب النقدية الهامّة التي يأتي على ذكرها كمَراجع في كتبه: "نظرية الأدب" لرينيه ويلك وأوستن وارين مثلاً، و"مقالة في النقد" لغراهام هو، كما اشترك مع الناقد الراحل محي الدين صبحي، الذي ترجم الكتابين السابقين، في ترجمة كتاب "موجز تاريخ النقد" في أربعة أجزاء صدرت عن "المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية" في دمشق.
وفي مقابل الآراء الجازمة شبه النهائية لعدد من الأساتذة في القسم، وكذلك للمنهج ذاته الذي قلّما يهتمّ بتشكيل الوعي النقدي لدى الطلّاب، كان حسام الخطيب متفرّداً في مواقفه الديمقراطية تجاه المناقشات. لا أذكر أنّ طالبة أو طالباً اشتكت أو اشتكى من تردّد الأستاذ في منحه علامةَ الجدارة التي يستأهلها إذا ما كتب مادّة تتضمّن رأياً يخالف رأيه في أيّ مجال أو درس، وهو في الغالب قد كان في تلك السنوات رأياً سياسياً لتقييم الأدب. المهمّ هو المادّة العِلمية أو المعرفية التي تُقدّم مُدعّمة بالشواهد.
تلك كانت طريقته في التدريس، وفي تلقّي الآراء، وذلك هو الذي منحه لقب الأستاذ، بينما وهبنا الذكرى الطيّبة عنه.
* روائي من سورية