قصائد وكوابيس

27 يونيو 2024
إبراهيم هزيمة/ فلسطين
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- النص يعكس تأملات الشاعر حول المعاناة والألم الناتجين عن المحرقة، مستخدمًا الشعر كوسيلة للتعبير عن الوحشية والفظائع التي لا توصف بالكلمات، مع الإشارة إلى تأثيراتها على تدريس وتعليم الشعر.
- يتطرق إلى تجربة شخصية مع الظلم والاتهامات الباطلة التي تواجه عائلته، مستخدمًا استعارات قوية للتعبير عن البراءة والصراع بين الحقيقة والعدالة ضد السلطة.
- يختتم بتصوير عالم الأحلام كملاذ يعبر عن الأمل والتطلع لمستقبل أفضل، مؤكدًا على قوة الخيال والإبداع في التغلب على الألم واليأس، والسعي نحو الحرية والعدالة.

"الشعر بعد المحرقة توحُّش"
قال أدورنو
ليتَه خرس وكتب الشعر،
الذين درَّسوني نصوصه يشاركون اليوم في الإبادة.

■ ■ ■

أهلي متَّهمون بقطع رؤوس أطفال
حكَم القاضي بموتنا أجمعين
فَتَحَ الصندوق وقَذَفَ الأفاعي داخله
أهلي متَّهمون
لم يعثر أحدٌ على أيّ رؤوس
لكن من يجرؤ أن يمُدَّ يده إلى الأفعى؟
أهلي بريئون
كادت تُطبِق عليهم الجدران
لكن كيف يعيش القاضي دون جرائم يحكم فيها؟
أهلي مُحِقُّون
الأرض لهم
لكن من يكترث للحقيقة؟

■ ■ ■

سكبتُ للقرش دمي ليجد الطريق إليّ
لم يُبقِ فيَّ إلا اليقظة
يُعلِّق الوحشُ أرواح ضحاياه، ويتركها تنشف في الشمس.
الأغبياء يظنّون هذي المشانق استجماماً
إجازةً قبل أن يعودوا من جديد على مائدة الوحوش.
أمّا أنا فللشمس عندي معانٍ كثيرة
بما تبقَّى في يقظتي من وعي،
سأغرس رمحي في القرش.

■ ■ ■

حلمتُ أمس بطيور على شكل أطفال تحلِّق أمام نافذتي العالية على رأس جبل، أشكالها بديعة، بأجنحة زرقاء.
أحدها كان يلبس قلادة وتاجاً، أخرجتُ هاتفي سريعاً لألتقط له صورة، لكنّي شُغلت عنه بشكل الجبل المقابل لي.
كان فوق الجبل مدينة ضخمة، رأيت وسطها الحرم الإبراهيمي وقصر الحمراء، كانت إطلالة تُشبه ما تراه من جبل جوهر في الخليل وجبل الميرادور في غرناطة، والقصور الثلاثة التي يُطلُّ عليها بيتُنا.
قفزت طفلة صغيرة من الشبّاك، لم تكن عصفوراً، كانت لا تزال قطّة، هكذا أخبرتنا، في يديها قُفَّاز من الصوف ساعدها على تسلُّق الجبل ثم البناية، أخبرتنا أنّها جاءت هنا لتتبرَّك بشبابيك قصر المنصور بن أبي عامر الذي تبيَّن أني أسكن فيه، دلّها عليها أحد أبنائه الباقين، وأعطاها هذا العنوان.
خجلتُ من المنصور، إذ لم يبق من الشبابيك سوى حماياتها الحديدية الصدئة، لم أُخبر القطّة بذلك وتركتُها تلعب مع أبنائي، وبقيت محدِّقاً في المدينة التي ينتهي عندها العالَم.

■ ■ ■

حلمتُ الليلة أنّي في الخليل مجدَّداً، كلّ البيوت القديمة المهجورة، التي كنتُ أقف عندها وأنظر داخلها وأدور حولها، تحوّلت في الحلم إلى مقاهٍ جميلة، وصار ما حولها ساحات خضراء صغيرة، تُطلّ على صخب المدينة، رُوّادُها نفس رُوّاد مقاهي الخليل، شباب صاخبون لكن مهذَّبون، تشعر أنّهم سيكسرون المقهى على رؤوس بعضهم، لكن يستأذنون بأدب عن تحريك أي قطعة أثاث، أو طلب أي مشروب.
في المقهى الثالث الذي دخلته وأنا أتنقَّل في المدينة دون هدف، عرفني صاحبه، استقبلني عند الدخول:
"أهلين
يا ولد اعمل كاسة قهوة عربي كبيرة، مع كاسة مي".
رحت أنظر من الشبّاك، كان المقهى على تلّ أخضر، تمتدّ خُضرتُهُ إلى طرف الوادي، لمحتُ أسفله أسوار المسكوبية الكنيسة الوحيدة في الخليل، التي أجَّر أرضها العثمانيون للروس كصفقة في حروب خالية، انتبه لي أحد الجالسين الشباب، وقال: نعم هذي المسكوبية، ثم راح يوجّه نظري إلى امتداد أراضيها على رأس الجبل، حيث توجد مستوطنة نصف محاصرة. تركتُه ورحت أتم تصويري وأقدّر المسافات وأتخيّل المستقبل وأرتعد منه.
رأيتني بعد ذلك في الاتساع الأخضر بين المستوطنة والمقهى القديم، كانت أراضيَ شبيهة بالأرض التي كنّا نلعب فيها الكُرة على مقربة من مستوطنة تلّ رميدة، خصوصاً في أواخر الربيع، حين تحاصرنا النباتات المزعجة عند اللعب والجميلة جدّاً حين نرتاح.
كان هناك أطفال كثيرون، طفلة منهم كانت تجلس على حجري وتنظر إلى المستوطنة، وتميل على أنغام أغاني أطفال حملتها الريح إلينا من هناك، أنزلتها عن حجري ورحت ألهيها عن الأغاني بأن أُلاعبها، جعلتها تُسابق طفلين ممّن حولها، وطلبت منهما أن يبتعدا في السباق أطول مسافة ممكنة.
ثم عدت لأحسب المسافة بين المستوطنة وكنيسة المسكوبية والمقهى القديم.

■ ■ ■

محمّد اليتيم لم يكن يحبّ مخالطة شبّان مكّة، كانوا يشربون فيعربدون فيغيرون على القبائل.
لذا لم يشرب ولم يعمل إلّا بالتجارة.
العبد الوحيد الذي اشتراه، كان فتى أصغر منه ببضع سنين سمَّاه ابنه.
محمد الأمين تعلّم الأُمّية في الشام، ورأى دين أجداده في يد الروم وتحت نار الفرس.
سمّى العرب البعيدين المتفرقين "أعراباً" كما يسمّيهم الأعاجم 
Arabia 
وجعلهم أشدّ كفراً ونفاقاً.
محمّد المصطفى لم يخرج من قريته إلّا مكرَهاً، ولم يحبّ الصلاة إلّا نحو بيتها العتيق
لكنّه ظلّ مُصرّاً أن هدمه حجراً حجراً أهون عند الله من سفك الدماء.


* شاعر من فلسطين

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون