خلال الحرب العالمية الأُولى، وبسبب حاجته إلى عمّال مدنيّين للخدمة في جيشه، جنّد الاستعمار البريطاني أعداداً كبيرة من الفلّاحين المصريّين الذين انتقلوا مع الجيش بين عددٍ من البلدان العربية والأوروبية. عُرف هؤلاء بـ"فرقة العمّال المصرية" (ELC)؛ وقد بلغ عددُهم، بحسب الوثائق البريطانية، أكثر من نصف مليون، في وقت لم يتجاوز عددُ سكّان مصر 12 مليون نسمة.
هذه القصّة المنسية أضاء عليها، بكثير من التفصيل، الباحث والأكاديمي الأميركي كايل جون أندرسون في كتابٍ صدر العام الماضي عن "مطبوعات جامعة تكساس" بعنوان "فرقة العمّال المصرية: العرق والفضاء والمكان في الحرب العالمية الأُولى"؛ وهو العمل الذي نقله إلى العربية مجاهد ومحمد صلاح علي، وصدر حديثاً عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة.
ويعمل أندرسون أستاذاً مساعداً في مادة التاريخ بجامعة ولاية نيويورك في الولايات المتّحدة. وله العديد من المحاضرات عن مصر خلال الحرب العالمية الأُولى وعن "فرقة العمّال المصرية".
مُعتمداً على أرشيفات تاريخية من أربعة بلدان، يروي أندرسون كيف فرض البريطانيون أحكاماً عرفية في مصر ليُجنّدوا بالقوّة قرابة نصف مليون شاب مصري، معظمهم من الريف، ليكونوا عمّالاً عسكريّين في أوروبا والشرق الأوسط؛ حيث عمل هؤلاء في شحن وتفريغ السلع على أرصفة الموانئ الفرنسية والإيطالية، ونقل الجمال المحمَّلة بالمؤمن عبر صحاري سيناء والسودان وليبا، وأدّوا دور شرطيّ لـ "فرض النظام" في بغداد المحتلّة، إلى جانب عملهم في تشييد مئات الأميال من خطوط السكك الحديدية وأنابيب المياه الواصلة بين مصر وفلسطين، كما شكّلوا غالبية العمّال العسكريّين خلال تقدّم القوّات البريطانية إلى سورية عبر فلسطين.
ونقرأ في تقديم الترجمة العربية أنّ الكتاب يوثّق لمساحة فارغة من مساحات سجلّات الحرب؛ إذ "لم يكُن لدى غالب الكتّاب والقرّاء من الجمهور الناطق بالإنكليزية اهتمام يُذكر بقصص رجال "غير بيض" يعملون وراء خطوط الجبهة في الوقت الذي يعود فيه رجالهم إلى الوطن يلفّهم المجد. وعبارة "غير بيض" من أهم مفاتيح بناء الكتاب وأدواته التحليلية والتفسيرية، ذلك أنّ العرق أهمُّ عدسة تحليلية نظر بها المتابعون المعاصرون إلى فرقة العمّال".