لا نعثُر، في جميع المصادر التي تحدّثت عن المفكّر الجزائري الراحل كريبع النبهاني، على تاريخ ميلاده كاملاً؛ فنحنُ، وإن كُنّا نعرف أنّه رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من سنة 2004، لن نتمكَّن سوى من معرفة أنّه وُلد عام 1917. أمّا اليوم والشهر، فهُما غائبان في سيرته، وربّما مردُّ ذلك هو تسجيلُه في وثائق الحالة المدنية بشكل تقريبي، وهو إجراءٌ كان معتمَداً بشكلٍ دارج في الجزائر؛ إذْ يُعمَد إلى وضع سنةٍ تقريبية لمَن تُجهَل تواريخ ميلادهم، وهؤلاء عادةً ما يُسجَّلون عند بلوغهم مرحلة الطفولة أو الشباب.
قد لا ينطبق ذلك على النبهاني بالضرورة؛ فتاريخُ الميلاد ليس سوى جزء واحد من أجزاءَ كثيرةٍ نفتقدُها في سيرته التي تتكرَّر بشكل شبه حرفي في جُلّ الدراسات والإضاءات التي تناولته، وهي دراساتٌ قليلةٌ جدّاً بالمقارنة مع أهمّية المفكّر الجزائري الراحل الذي ترك عشراتٍ من الكتب التي توزّعت بين الأدب والفلسفة وقراءة التراث الإسلامي. يكفي، مثلاً، أنْ نذكُر أنّه لم يُترجَم إلى اللغة العربية إلى اليوم، ولم تصدُر كُتُبٌ تتناول تجربته الأدبية والفكرية؛ فمُعظَم ما كُتب عنه دراساتٌ تتوزّع في بطون بعض المجلّات الأكاديمية، كما أنّنا لا نعثر له إلّا على صُوَر قليلةٍ بالكاد نتبيّن فيها ملامحه.
وُلد النبهاني في أولاد جلّال، التي كانت تتبع ولاية بكسرة جنوب الجزائر، قبل أن تُصبح العام الماضي ولايةً قائمة بذاتها، وفيها أمضى طفولته وسنوات شبابه الأُولى؛ حيث درس في كتّابها وابتدائيتها، قبل أنْ يُغادر في مطلع الثلاثينيات إلى الجزائر العاصمة ليواصل دراسته الإعدادية فالثانوية حتى عام 1937، ثمّ إلى باريس؛ حيث سيحصل على شهادة البكالوريا نهاية الثلاثينيات، ثمّ على ليسانس في الفلسفة منتصف الأربعينيات، ثمّ على الماجستير في الخمسينيات.
ترك العشرات من الأعمال الأدبية والفكرية التي لم تُترجم إلى العربية
في باريس تعرّف على أسماء بارزة في الفكر والأدب؛ مثل جان بول سارتر وأندريه جيد، وكان من بين أساتذته في الجامعة غاستون باشلار ولويس ماسينيون، وحصل على الدكتوراه من "جامعة السوربون" عام 1966 بأطروحة موضوعُها "فلسفة الجمال"، وقد صدرت الرسالة في العام نفسه في كتاب بعنوان "التحديد الجمالي للإنسان"، ثم عام 1989 بعنوان "الإنسان الشامل: فلسفة الجمال".
"أشعار صبي" (1935)، و"أغاني العربي المأساوية" (1954)، و"الأفارقة يتساءلون" (1955)، و"برومثيوس هو ملك مستقبل الإنسانية" (1975)، و"الخير والشرّ من خلال القرآن" (1968)، و"الإسلام والاشتراكية" (1972)، و"دفاعاً عن النبي" (1978)، و"فلاسفة الإسلام" (1980)، و"الغزالي" (1985)، و"عمر الخيّام" رسول إيران العالمي" (1988)، و"الخوارج: ديمقراطيو الإسلام" (1991)، و"فلاسفة الإنسانية" (1995)، و"الإنسان في الإسلام: تاريخية وانفتاح" (2001).
حاز النبهاني على جوائز عدّة؛ من بينها "جائزة المثقّفين الفرنسيّين" عام 1952، وجائزة الأكاديمية الفرنسية في الشعر عام 1954، و"الجائزة الأولى للتعليم العالي" في الجزائر عام 1991. وإضافةً إلى كتبه المنشورة، أسهم في الكتابة لعددٍ من المجلّات والدوريات الفكرية في الجزائر وفرنسا، ما يعني أنَّ رصيداً آخر من كتاباته لا يزال ينتظر تنقيباً وبحثاً لجمعها في كتاب، تماماً مثلما تنتظر أعماله المكتوبة بالفرنسية نقلها إلى لغته الأم.