بات ارتباط اسمَي الباحثَين المغربيَّين عبد الفتاح كيليطو (1945) وعبد السلام بنعبد العالي (1945) ببعضهما وثيقاً، حيثُ لا يحضر الثاني مترجِماً للأوّل وحسب، بل صدّر بنعبد العالي قبلَ أشهر كتاباً نقدياً قرأ فيه تحرُّك كيليطو بين لغتين عنونه بـ"عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللِّسانَيْن". وقد عاد الاثنان ليلتقيا في حوارية واحدة بينهما أوّل أمس الجمعة، ضمن فعاليات "المعرض الدولي للنشر والكتاب" بالرباط.
ليس بعيداً عن مفهوم "العشق" والارتحال به إلى موضع وصْل بين لغتين، فإنّ الإشارة إلى حدود النص وأصليّته حضرت في النقاش، وتعدّدت الأمثلة حول ذلك؛ مثل رواية "الخبز الحافي" لمحمّد شكري، التي رأى فيها بنعبد العالي مثالاً على أسبقية حضور الترجمة على النص الأساسي. ولو أنّه أعاد إثارة ما تطرّق إليه في كتابه الأخير بما يمكنُ تسميته بـ"الدَّين المتبادل"؛ فالمترجِم في ذاته يمتلك أدوات الكاتب، فكيف إذا كان النصّ المترجَم هو من صميم الثقافة التراثية واللغوية للمترجِم، وهذا ما ينطبق على اشتغالات كيليطو بطبيعة الحال.
ولكن، على الجهة المقابلة لـ"العشق"، ألا يمكنُ الحديث عن "تنافُر" أيضاً رغمَ ما بين اللسانين من وشائج؟ هذا ما ذهب إليه كيليطو، فموضوعة الازدواجية الموجودة في اللغة نفسها، والتي لمّح إليها بنعبد العالي بدايةً، نظر إليها كيليطو من زاوية الاستحالة، كون الأمر يتعلّق بمنظومتين لغويتين وليس بين نصّ أصلي ونصّ مترجَم.
ومن الأمثلة التي استحضرها كيليطو عنوان "Fins de la littérature"؛ فهو من جهة يحتمل أن يكون بمعنى "نهايات الأدب"، ومن جهة ثانية يحتمل معنى "غايات الأدب". بهذا فإنّ "الحنين" الذي وصّف به الفيلسوف فالتر بنيامين علاقة النص بترجمته، ويبدو أنّه وجهٌ من وجوه "العشق" أيضاً، يتخلخل معناه وتصبح الترجمة "فضحاً" للنص الأصلي.
يُشار إلى أنّ من أبرز الترجمات التي قدّمها أستاذ الفلسفة في "جامعة الرباط" عبد السلام بنعبد العالي لأعمال كيليطو كانت: "الكتابة والتناسخ"، و"أتكلم جميع اللغات لكنْ بالعربية".