لا أنام: المرّأة الغزّاوية التي نجت من المحرقة مختبئةٌ تحت الركام، ترجو ابنها أن يُخرِجها فوراً. الابن يعِد ويُقسم أنّه سيفعل، ولكنّ الموضوع "محتاج لأدوات وبعض الوقت، يمّا".
لا أنام: لساني يستعيد أجمل ذكرى له عندما كان ينادي: "يمّا". لا أجملَ من هذا النداء فوق الأرض قاطبةً.
لا أنام: بعض الوقت ذاك سيحرقُ بقية وقتي، وما قُدّر لي أن أحياه، بعد هذه المحرقة، فوق تراب الكوكب المتهدّم.
لا أنام: قلّبُ الإرهابيّ النازيّ من حجر ـ مع الاعتذار للحجر.
لا أنام: زمان كان الشعراء كادحي نورٍ يحملون لوحات شمسية لتركيبها فوق سقوف بعض المنازل، واليوم لا دور لهم.
لا أنام: الرأسمالية دمّرت غريزة البقاء فينا، واعتدت على مُحبّي الشعر، فأنقصت عددهم بشكل مفجع، لأنّها جعلت جميع البشر تحت سلطتها أقلَّ ذكاءً.
لا أنام: زمان كان الشعْر يتصدّى ويقاوم. كان العمل النبيل الذي لا توجد فيه بطالة، بل عمالة كاملة، واليوم، هو ذا مُلقى كجثّةٍ على الرصيف.
لا أنام: لقد قتلوا الشعراء والأطبّاء والممرّضين وعمّال الطوارئ والمقاومين وبائعي السحلب في شتاء رفح، وجامعي الحطب الأخضر لإنضاج الرز الرديء، وليل الطامحين للنجاة، والصافنين في وجوه أطفالهم النائمين، خائفين عليهم من الموت الكلّي أو بتر الأطراف.
لا أنام: ثأري مع طيّاري سلاح الجو، ويدي قصيرة.
■ ■ ■
قلبي عليهنّ نسوة ما بعد القصف، وهنّ يُقذفن إلى أغلفة الفضائيات، قبل تدبير مقبرة جماعية. قلبي على شعبي، وقلب الغرب والعُرب من حجر.
هناك فرق بين الرغبة في العودة إلى الماضي أو المرور به وتحمّله، من أجل مواجهة المستقبل بأفضل طريقة ممكنة، وعمل استعادة النساء المنسيات الذي يقوم به أشخاص مثل إعلاميّي حروبنا الأبطال.
من سوف يسأل عن الاهتمام الذي تثيره هذه الشخصيات الآن: إنّهنّ والدات مقاتلينا من طالبي الحريّة، وهم معهنّ في أساس بعض أسئلة الهوية، مثل صراع الضعيف مع الوحش، حتّى لا مناص من دم، كي نشرب كشعب مشرّد من ينابيع بلادنا المحذوفة.
لا غرو أنّهنّ مادة دسِمة لدراسات ما قبل التحرّر من الاستعمار.
وكلّ التفسيرات التي تشير إلى عكس ذلك جعلت من التاريخ نظاماً أكثر قتامة، وأكثر إغراءً للعمل عند نُخب المال، ولكنها أيضاً أكثر مرونة، وتستفيد الثقافة الشعبية منها، لأنّ القضايا العادلة هي مكان مناسب لسوق مُربحة للغاية.
ما كان عبارة عن سلسلة من البيانات والتفسيرات المرتبطة بمكانٍ ولحظة، أصبح الآن خيالات تأتي إلينا على شكل محتوى.
لا والله: إنه الشِّعرُ لا الشِّعار.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا