قبل أن يدخل
متوتّراً خائفاً يدقّ بابَ مستقبله
آملاً أن يرى ساعة الحائط تُتكتك وقتاً آخر
والأثاثَ مرتّباً بطريقة مختلفة
وأشباحَ العادات تتحرّك بأزياء جديدة
يستيقظ
يُكرّر الفعل نفسه
هو على يقين أن شيئاً لن يتغيّر
ميتاً وجدوه أمام باب ماضيه
وفي يده سكّين ذابلة كقشرة موز.
■ ■ ■
حصانٌ حزين
لأنّها ظنّت أنّها أحبّته خرّبتْ حياتها
لأنّها فعلاً أحبّته أحبّتْ وجعها
لأنّه لم يعد يعتني بشؤون قلبه
ها هو
يتفرّج على حياته كأنّها حصان حزين في سيرك
يتفرّج على الحب مغادِراً العَرض
كسائس هرِم مريض.
■ ■ ■
يتيم
هذا الطفل لديه أجوبة كثيرة
على غرار: "الشمس تغطس في البحر
كي تستحمّ بعد عمل يوم شاق"
"في الجنّة أيضاً جسور لينام تحتها المشرّدون"
"لو كان لديّ بيت آمن وجميل لكنت أحببتُ المطر"
كان يسأل نفسه
كان عليه أن يجد أجوبةً عن كل شيء.
كان يتيماً.
■ ■ ■
صورة طاغية على ورقة نقود
وجد ورقة نقود
كُتب عليها
"الحظُّ طاغيةٌ أيضاً لكنّه لا يحبُّ أن يعلّق صورَه
في كلّ مكان"
أعاد الورقة إلى مكانها على الرصيف
فرِحاً أنّه ليس غريباً تماماً في هذه المدينة
في طريق عودته إلى البيت
التبسَ عليه الأمر
أليسَت تلك ورقة نقودهِ
أليس ذاك خطّه؟
■ ■ ■
كلمات
يُفرحه أن ذكاءها
يهبُ لأقاويله البسيطة معانيَ جميلةً ومعقَّدة
يُفرحُها أنه يفرح
...
هل هكذا يُعرَّف الحب؟
كم هو ممتنّ للكلمات
الكلمات النفقُ
الذي
ينتهي
إلى
جسدين يذوبان في لحظة بحجم الزمن.
■ ■ ■
طفلان
ما زال في ذاكرتها
صغيراً لا يكبر
جالساً على العتبة
في حضنه دمية محطّمة
كانا طفلين
مشتْ... جلست جانبه
قال: هدهدي هذه الدمية
إنّها وحيدة بلا أصدقاء
شعرتْ أنّ عليها أن تحتضنه
شعرت أنّها تُحبّه
فجأةً... جاءت دمىً كثيرة بثياب ملوّنة
دمىً تحوّلت إلى أولاد من لحم ودم
جلبوا معهم الموسيقى، جلبوا الحياة كلّها
معاً نهضا ... معاً رقصا أمام البيت
هو كان مثل "أحلم"
وهي كانت مثل "كم جميل".
■ ■ ■
رسالة
يعرف أنّك أبعدُ من أن تصلك رسالته
يقول لك ما لا يستحقّ الكتابة ما يجدر أن يقوله الدمعُ
مجرّد كلمات تشبه صمتك
أو ربما خشخشة القطع النقدية في جيبك وأنت تخفي وجعاً ما
تشبه اهتزاز رأسك مع الأغنيات العتيقة
هل مرّةً عانقته... قبّلته؟
يتذكّر يديه الصغيرتين حول خصرك عندما كنت تسأله أن يتمسّك بك وهو خلفك على الدرّاجة
أو وأنت تنزع جوربه بحنوّ كي لا توقظه بينما هو على السرير يدّعي النوم
(هل مسحت على شعره آنذاك؟)
أيّها الأب يقول الجميع... يتّفق الجميع أنّك رجل صالح
ابنك يعرف ذلك أكثر منهم، يعرف ذلك ويبكي.
■ ■ ■
عزيزي السائح
الزمان العتيق بأسواقه المسقوفة
الأبنية بأبوابها ونوافذها الملوّنة
الطلاء المقشَّر على بطون القناطر
النقوش والزخارف المصنوعة بأيدٍ واثقة
بأيدٍ مرتجفة
القلعة بمهابتها الحزينة
الحمّامات العارية
الفناءات المفتوحة على الأزرق
الجمال هنا "يقطع الأنفاس"
كما يُقال في الروايات المترجمة.
....
....
أيضاً
هؤلاء الفقراء
المنهمكون في حمل أيامهم على أكتافهم
العائلات المكدَّسة في غرف رطبة
الأطفال الذين يبدون وكأنهم يعملون في مناجم
القطط الجائعة
الشحّاذون
الخوف في عيني العجوز من أن تذبل خضرواتها
قبل أن يشتريها أحد
رائحة الإهمال
الأصوات المبحوحة للباعة المتجوّلين
أسلاك الكهرباء التي تبعث على التوتّر
مَشاهدُ
أيضاً
تقطع...
■ ■ ■
في مخيّم لاجئين
1
تمنعه الحرب من أن يشبك أيامه بأيام أُمّه الأخيرة
تمنعنه من أن يضمّها أن يشمّ جلدها المترهّل
أن يُجفّف مخاوفه بطرف ثوبها
الرجل الذي هرب مع أبنائه تاركاً كلّ شيء وراءه
يقرفص أمام خيمته، وبصوت متهدّج:
"أمّاه وأنت تصلّين لنبقى بخير أنا وأبنائي، اطلبي من الله قليلاً من العدالة.
فهناك ملايين مثلي لا يرجون من الحياة سوى القليل... القليل الذي جعلته الحرب مستحيلاً".
2
البنات الصغيرات اللاتي حُمَّلن على عجل
فوق شاحنات مكشوفة
أصوات محرّكاتها الضاجّة تختلط مع دوي القصف
البنات بوجوههنّ الصفراء من شدّة الغبار والهلع وصلن إلى المخيّم
أوّل ما فعلنه
استندن إلى قماش الخيام المنصوبة
فسقطت أجسادهن الصغيرة في عالم آخر.
■ ■ ■
وحدة
لديه الكثير من الأدوية
صحيح... أنه يخلط بينها
لكنه يتناولها في الأوقات المحدَّدة
ليس كي لا يشتدّ مرضه ويموت
لا...
إنها عادة وحسب
تساعده على تزجية يومه
تجعله يصدّق أنّ لديه ما يفعله
في عزلته الباردة.
* شاعر سوري مقيم في نيويورك