انطلقت، صباح اليوم السبت، في "معهد الدوحة للدراسات العليا"، أعمال المؤتمر الدولي الثاني لـ"مركز اللغات" بعنوان "اللغة العربية لوارثيها: قضايا ومقاربات"، بمشاركة أكثر من خمسين باحثاً يقدّمون إسهامات جديدة في حقل العربية لوارثيها، من خلال مقاربات تشمل قضايا الاهتمام بوارثي اللّغة المُقيمين داخل المجتمعات المتحدّثة بالعربية وخارجها، وعبر جلسات تتوزّع على مدار يومين حول مفاهيم العربية لوارثيها، وخصائص العربية عند ثنائيِّي اللغة، وإشكاليات وتحدّيات تعليم العربية لوارثيها، وجهود الأهالي، والمنظّمات، والمدارس، ودَور الجامعات، وإسهاماتها، والفرص الاقتصادية لتعليم اللغة لوارثيها.
وفي الكلمة الافتتاحية، قال الباحث علاء الجبالي مدير "مركز اللغات"، إنّ التدليل على أهمية المؤتمر لا ينحصر بعدد المداخلات المجدولة على جدول أعماله؛ إذ إن تنوُّع زوايا التناول والتخصّصات الحاضرة للمُداخلات الـ 51 تعكس اهتماماً واسعاً بهذه القضيّة وعُمقاً معرفيّاً يرتبط بها. وأضاف الجبالي بأنّ المؤتمر يكتسب أهمّية خاصة نظراً لخصوصية فئة وارثي اللغة، وحاجاتهم الغائبة عن كثير من المشتغلين في مجال تدريس العربية؛ فيبرز المؤتمر كمنصّة يؤمل أن تقدم حلولاً ناجعة وإجابات نظرية تفيد المشتغلين بهذا المجال، وتَنعَكِس إيجاباً على دافعية وارثي العربية في تعلُّمها أو مُواصلة تعلُّمها.
وافتُتح المؤتمر بمحاضرة عامّة حول خصائص اللغة العربية كلغة أقلّية وتراثية، ألقاها الباحث العباس بن مأمون، قدّم فيها خلاصة الأبحاث والدراسات التجريبية التي دارت في مجال اللغة لوارثيها، وبيّن كيف يُمكن الاستفادة منها في تلبية حاجات فئة وارثي اللغة العربية.
مقاربات تشمل قضايا الاهتمام بوارثي اللّغة في المجتمعات المتحدّثة بالعربية وخارجها
وتضمّنت الجلسة الأُولى عدداً من الأوراق البحثيةّ، حيث تناولت الباحثة سوسن خليل موضوع "العمل على نهج شامل جديد لتعليم العربية كلغة لوارثيها: المنهج والموارد والتدريب"، وتطرّقت هنادا طه إلى وجهة النظر البيداغوجية كأهم مسوّغ يتعلّق بكفاءة الطلاب باللغة العربية اليوم في مداخلتها "غرباء في ديارهم"، وأشار كلٌّ من محمد محجوب ومارتين إيلي إلى السياسات اللغوية الداعمة للّغةِ العربية كلُغة تراثية في دول الخليج العربي وقطر، تحت عنوان "نحو سياسة مبنيّة على الأدلّة لدعم اللغة العربية كلغة التراث في مدارس 'مؤسسة قطر'. ومن جهتها، قدّمت رشا الهواري مداخلتها البحثيّة حول "تصميم وتنفيذ مُقرّر العربية لوارثي اللغة: دراسة حالة من مونتريال".
وتوزّعت أوراق الجلسة الثانية، التي جاءت بعنوان "الهويّة والسياسات اللغوية" وأدارها رئيس قسم البحوث في "المركز العربي للأبحاث" حيدر سعيد، على "سياسات اللغة العربية لوارثيها: السياق القانوني والمنظور التربوي"، والتي قدّمها كلٌّ من عبد الله عبد الله، وعبد العظيم عبد العظيم.
وقدّم أنوار بنيعيش ورقة بعنوان "اللغة العربية لوارثيها وتحصين الهوية الثقافية للأقلّيات في بلدان المهجر الأوروبي"، أما كارين علاف وتوني كولدربانك فقد ناقشا كيفية إسهام تعلّم اللّغة العربية في تكوين هويّة المتعلّمين من أصول عربيّة في المهجر، وكيف يُمكن لأساتذة اللغة العربية الاستجابة لاحتياجات هؤلاء المتعلّمين بطريقة توفّر لهُم تجربة تعلُّمية ممتعة وذات صلة بحياتهم.
أما الباحث أشرف عبد الحي، فقد سلّط الضوء على مفهوم "اللغة العربية لوارثيها، خارج البناء الاستعماري للغة: مقاربة ديكولونيالية". وفي محاضرة عامة للمستشار الأكاديمي دان ديفيدسون، حاول فيها الإجابة عن سؤال "ما هي ميزة وارثي اللغة"، عبر دارسته المطوّلة لبرنامج الانغماس اللغوي، "فلاجشيب"، للُّغات العربية والصينية والروسية.
واختُتمت جلسات اليوم الأول بجلسة تحت عنوان "مقاربات منهجية"، حيث قدّم علاء الجبالي ورقته البحثية حول "مزج استراتيجيات اكتساب اللغة وتعلّمها لوارثيها والبناء على معطيات اللغة الأم في إكساب الأطفال الفصحى"، وأشارت ربا خمم إلى موضوع "استراتيجيات تربوية جديدة لتحويل مهارات اكتساب اللغة والمشاركة ومستوى الكفاءة لدى المتعلّمين من وارثي اللغة"، أما رشا سليمان ومليسا تاولر فقد تطرّقتا إلى موضوع "استغلال التنوّع اللهجي في صفّ تدريس اللغة العربية: تصوّرات وانطباعات المعلمين".
ويواصل المؤتمر جلساته في اليوم الثاني غداً بمحاضرة افتتاحية لإدريس الشرقاوي حول "تعليم اللغة العربية لوارثيها: التحدّيات واستراتيجيات اكتساب اللغة"، وتُقارب الجلسات التالية الكفايات والمنهج للباحثة سيلفينا مونترول متحدّثة عن "دعم اكتساب اللغات لوارثيها في أهمّ المراحل". كما تتناول الجلسات المسائية دراسات حالة خارج العالم العربي وفيه تغطي واقع وارثي اللغة في أميركا، وهولندا، فرنسا، وكندا، والبوسنة والهرسك، والإمارات، والأردن. وتقارب جلسات اليوم الثالث وارثي اللغة الموضوع منهجيّاً وتذهب حتى التفكير بدور الذكاء الاصطناعي في تعليم العربية.