- ساهم في تطوير الحركة الفنية من خلال مجلة "رؤية جديدة" بالتعاون مع توماس مالدونادو، معبرًا عن رؤيته للفن كحقيقة مستقلة بالاعتماد على الألوان والأشكال الهندسية. تجربته في المكسيك أثرت في تطوير أشكال هندسية تعبر عن الثنائيات المتناقضة.
- إسهامات حليتو الفكرية والنظرية في الفن، من خلال كتبه حول "الفن الملموس" والجوائز الفنية التي حصل عليها، تُظهر تقدير العالم لأعماله. رحيله في 1993 ترك إرثًا فنيًا غنيًا يُلهم الأجيال اللاحقة، مؤكدًا على أهميته في تاريخ الفن الحديث.
في البدء كان الخطّ. غطّت مجموعةٌ واسعة من الخطوط القصيرة والحيوية محيط القماش، ثم هدّدت بالخروج من اللوحة. شيئاً فشيئاً راحت هذه الخطوط تتحوّل وتتغيّر، ثم تأخذ أشكالاً مختلفة؛ تارةً تصير أرقاماً، وتارةً أُخرى تتحوّل إلى أعمدة أو أشكالٍ هندسية قلقة. كلُّ شيء بعد ذلك تغيّر إلّا تلك الخطوط والأشكال، فقد بقيت مخلصة ليد الفنّان الأرجنتيني ألفريدو حليتو الذي ابتكرها، ذلك أنّ تلك الأشكال لم تتوقّف حتى يومنا هذا عن بث الحياة في كلّ لوحةٍ من لوحاته.
وُلد ألفريدو حليتو Alfredo Hlito في مدينة بوينس آيرس الأرجنتينية عام 1923، من أب سوريٍّ هاجر إلى الأرجنتين واستقرّ بها، وأُمٍّ إيطالية؛ وهو ما أثّر بشكلٍ واضح على أسلوبه الفنّي والعلاقات التي راح ينسجها بين الأشكال التي ابتكرها والأيقونات المسيحية الشرقية الموجودة في أعماله. درس حليتو في "المدرسة الوطنية للفنون الجميلة" في بوينس أيرس لمدّة قصيرة، ثم تركها في ما بعد، ليتابع دراسته الفلسفة والفنون بمفرده، حيث علّم نفسه بنفسه. أحدث قطيعة واضحة مع الأسلوب التصويري والتمثيلي الذي كان سائداً في الأرجنتين، وفي عام 1945 شكّل مع مجموعة من أبناء جيله ما عُرف باسم مجموعة "الفن الملموس" Arte Concreto أو "الفن الخرساني"، كما يطلق عليه بعض المختصّين في الفنّ.
رفضت مجموعة "الفنّ الملموس" كلّاً من الواقعية والسريالية اللتين سادتا في الأرجنتين، خصوصاً في أعمال الفنّانين راكيل فورنر (1902 - 1988)، وأنطونيو بيرني (1905 - 1981)، وقد عبّر حليتو عن ذلك في بيان "الابتكار" الذي أصدره عام 1946، حيث قال فيه إن "الفنّ الملموس، على خلاف الفن السائد الذي يدعو إلى رؤية اللوحة كأنّها نافذة، يريد أن يجعل من اللوحة حقيقة في حدّ ذاتها. ومن أجل ذلك، ستكون الألوان والأشكال الهندسية، وليس الحكايات أو المشاهد التي تمثّلها الشخصيات، هي الأدوات الأساسية لهذا الفن".
أسّس مجموعة "الفن الملموس" مع بعض أبناء جيله عام 1945
في عام 1954 أسّس حليتو مع الفنان الأرجنتيني توماس مالدونادو مجلّة "رؤية جديدة"، وكانت بمثابة منبرٍ عبّر من خلاله عن أفكاره الفنيّة، حيث كتب العديد من الدراسات والمقالات ذات الطابع الفلسفي الذي صبغ أعماله. "على العمل الفنّي أن ينضج أوّلاً في خيال صاحبه، وبعد ذلك فقط يتمّ نقله إلى اللوحة القماشية. بهذا الشكل نحمي اللوحة من تأثيرات الطبيعة والمشاعر: لا ينبغي أن تؤثّر غنائية ومأساة الأحداث اللحظية والرمزية على عملية الخلق"، يقول الفنان الأرجنتيني.
في عام 1964 سافر إلى المكسيك وبقي فيها حتّى عام 1975. استفاد حليتو من تجربته المكسيكية لتطوير أشكال هندسية فريدة، لها هويّتها الخاصة، لكنّها في الوقت نفسه تمحو هويتها، وقد استند في ذلك إلى فكرة الثنائيات المتناقضة، كما هو الحال في سلاسل "أطياف" (1969)، و"محاكاة" (1972) و"أشكال" (1980).
استطاع حليتو أن يجمع في تجربته الإبداعية بين الكتابة والرسم، بحيث لا يمكن فهم تجربته تلك دون قراءة كتبه التي شرح فيها منهجه الفنّي، كما نظّر حول تقنيات "الفن الملموس"، وشرح مبادئه التي تقوم على دراسة قوانين الرياضيات والتفكير العلمي وتناغم الأشكال الهندسية، مع التركيز على تفاعل الشكل واللون في الرسم ، ودراسات احتمالات نقل اللون. من هذه الكتب، نذكر: "استعارات المرئي"، و"كتابات حول الفن"، و"اتركوا الموناليزا بسلام".
نال حليتو العديد من الجوائز الفنّية، كما شارك في معارض عالمية، واقتنيت لوحاته في عدد من أبرز متاحف العالم، مثل "متحف الملكة صوفيا" بمدريد، ومتحف "الفنون الجميلة" في بوينس آيرس.
رحل الفنّان عن عالمنا في عام 1993، وقد ترك وراءه إرثاً كبيراً من الأعمال الفنّية، التي لا تزال تؤثّر في الأجيال اللاحقة من الفنّانين الأرجنتينيّين.