في الخامس من أيلول/ سبتمبر 1935 وُلدت ماريا دي لا كونسيبسيون؛ ثاني أبناء بابلو بيكاسو بعد باولو؛ ابنِه مِن راقصة الباليه الروسية الأوكرانية أولغا خوخلوفا، والأُولى مِن الفرنسية ماري تيريز والتر التي التقى بها عام 1927، وكانت تصغره بسبعة وعشرين عاماً. وقد شكّل مجيء تلك الطفلةِ إلى حياة الفنّان الإسباني البارز (1881 - 1973) لحظةً استثنائية فيها.
ومثلما ألهمه ميلادُ ابنه البكر عام 1921 رؤىً وأفكاراً جديدة حول الطفولة والأمومة جسّدها في كثيرٍ من لوحاته، غذّى ميلادُ ابنته الثانية انبهارَه بالطفولة؛ وهو ما انعكس أيضاً في سلسلةٍ من اللوحاتِ التي رسمها بين سنتَي 1938 و1939 وكانَت ماريّا موضوعاً في عددٍ منها.
كانت مايا رويز بيكاسو، وهو الاسمُ الذي ستُعرَف به أيضاً، الصديقة المفضَّلة لوالدها؛ فالطفلةُ، التي ظلّ مجيئُها من علاقةٍ سرّيةٍ طيَّ الكتمان لفترة طويلة، كانت الشخص الوحيد الذي يَسمح له بيكاسو بدخول محترفه في أيّ وقتٍ من النهار أو الليل.
يُبرز المعرضُ تأثّر الفنّان الإسباني بالخرافة وعلاقته بالموت
هذه العلاقةُ بين الفنّان وابنته يُضيئها معرضٌ بعنوان "مايا رويز بيكاسو: ابنة بابلو" يحتضنه "متحف بيكاسو" في باريس منذ السادس عشر من نيسان/ إبريل الماضي؛ حيث يقترح المعرضُ مجموعةً من اللوحات والرسومات والمنحوتات التي أنجزها بيكاسو في ظلّ تلك العلاقة الأبوية، إلى جانب عددٍ من الصُّوَر والوثائق الأرشيفية التي تُظهِر كيف أثَّر وجودُها على حياته وفنّه.
وقال القائمون على المعرض إنّها المرّة الأُولى التي تجتمعُ فيها لوحات الفنّان الإسباني الراحل التي أنجزها بين 1938 و1939؛ حيثُ ظلّت متفرّقةً في أماكن مختلفة من العالم. علماً أنَّ عدداً من المعروضات هي هبةٌ تسلّمتها الحكومة الفرنسية من مايا رويز بيكاسو في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، في إطار تسوية قضايا ضريبية، وتضمّنت ستّ لوحات ومنحوتَتين ودفتر رسم كان ملكاً لبيكاسو.
يتضمّن المعرض فيلماً قصيراً عن حياة بيكاسو العائلية بعنوان "لغز بيكاسو" للمخرج هنري جورج كلوز (1955)، وفيه مشاهدُ مِن عُطَل أمضاها مع ابنته جنوبي إسبانيا، ومرافقتها للسباحة أو لحضور مسابقات مصارعة الثيران، وكيف أصبحت مساعدته حين بلغت العشرين من عمرها.
وتتوزّع المعروضات على قسمين؛ يحمل أوّلهُما عنوان "عالَم بيكاسو العائلي"، ويضمُّ عشر لوحاتٍ رسم فيها بيكاسو ابنتَه وهي في الثالثة من عمرها؛ مِن بينها: "مايا مع دمية"، و"مايا مع دمية وحصان"، و"مايا بزي بحّار"، و"مايا في قارب"، و"مايا بالمئزر" (جميعُها رُسمت سنة 1938)، إضافةً إلى كُتب تلوين أضاف عليها رسومات شخصية ورسوم طبيعة صامتة، وصُوَراً ظلّية لحيوانات صغيرة، ومسرح دمى ورقية، ودمية خشبية.
أمّا القسم الثاني، والذي يحمل عنوان "علم آثار عائلية"، فيضمُّ رسائلَ وملابس وأغراضاً ومتعلّقات شخصية لبيكاسو تُظهِر تأثُّره بالخرافات وعلاقته بالموت والعالم الميتافيزيقي. من بين تلك المتعلّقات شَعرُ بيكاسو وأظافره المقصوصة التي كانَ يحتفظُ بها لـ"حمايتها من الأرواح الشرّيرة". وهذا الجانبُ كان موضوعاً لكتابٍ مشترك صدر عن "غاليمار" مؤخّراً بعنوان "بيكاسو الساحر"، من تأليف فيليب شارلييه وديانا ديدماير بيكاسو؛ حفيدةِ الفنّان والقيّمة على المعرض الذي يستمرّ حتّى نهاية كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل.