ما الرواية؟

06 ديسمبر 2024
إي. أم . فورستر في بورتريه لـ روجر فري
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يبرز الروائي إي. أم. فورستر أهمية التمييز بين "متى يروي الروائي ومتى يقول"، مشيرًا إلى أن الجمهور غالبًا ما يركز على موضوع الرواية بدلاً من كيفية كتابتها، مما يجعل الصحافيين يطرحون أسئلة سطحية دون قراءة العمل بعمق.

- يشدد فورستر على أن الفن الروائي بلا حدود، مما يخلق تحديات وفرصًا للروائيين في كيفية تقديم رؤاهم وأفكارهم، حيث يعتبر الفن البطانة التي تحمي الكتابة وتضمن تقديم المعنى بشكل دافئ ومتنوع.

- رغم إنكار فورستر لكتابة السياسة في رواياته، إلا أن محمد شاهين يوضح في كتابه "فورستر وسياسة الإمبريالية" أن فورستر كان مهتمًا بالقضايا السياسية، مهاجمًا الإمبريالية البريطانية ومدافعًا عن استقلال الشعوب.

كان الروائيُّ البريطاني إي. أم . فورستر يقترح أن نُفرّق بين: متى يروي الروائي ومتى يقول؟ ومع ذلك، فإنّ السؤال الأوّل الذي يُوجَّه إليه من قبل الغالبية العظمى من الناس، حين يذكر أنّه أنجز رواية أو نشرها، هو: (عن شو بتحكي؟) ما الحكاية التي ترويها هنا؟ أو ما الموضوع؟ السلطة. ماذا قلتَ عن السلطة؟ العائلة؟ ماذا قلتَ عن العائلة؟ الحبّ، الكراهية، الصداقة. ماذا قلت عن كلّ قيمة من هذه القيم؟ وفي الغالب، أو في المطلق، لن يسأله أحد عن الكيفية التي كتب بها هذا العمل. 

الرواية في العرف العام هي القول، أو الرسالة، أو الموقف، أو الرؤية، وسوف يُستبعد فنّ القول، أو أسلوب الرسالة، أو كيفية تقديم الرؤية، فلا يُذكر في أيّ لائحة من لوائح الأسئلة، أو في أيّ مجموعة من مجموعات الحوارات التي يتوقّع الروائي أن تجري معه. ولهذا يستسهل الصحافيون وضع الأسئلة والمَحاور على الروائيّين، من دون أن يقرؤوا أعمالهم، أو يكتفون بملخّصات أو إيحاءات عن الموضوع الذي يشغل الحيّز الرئيسي في الرواية. 

أمّا الروائي نفسه، فإنّه ينشغل منذ السطر الأوّل في أيّ عمل يفتتحه بالسؤال عن الكيفية، والطريقة، والتقنية، أو عن فنّ القول الذي يفكّر، أو يحلم. والروائي حالم من الطراز الأوّل في إنجازه، ومعظم المصاعب، أو العُقَد، أو لحظات الانسداد في الكتابة، كامنة في العجز عن العثور على الفنّ، أي كيف يمكن أن يكتب الرواية؟ أو كيف يمكن أن يكتب هذا الجزء من الرواية؟ والفنّ في حقيقته هو البطانة التي تحمي الكتابة الروائية، أو غير الروائية، من التلف، أو البلل الضار، أو تضمن لها تقديم المعنى دافئاً ممتلئاً بأغراض الكاتب المتنوّعة.

كون الفنّ بلا حدود هو الذي يخلق المصاعب من جهة، والتسهيلات من جهة ثانية

فورستر نفسه حاول أن ينكر أنّه كتب سياسة في روايته "ممرّ إلى الهند" (تُرجمت إلى العربية بعنوان "رحلة إلى الهند") وألّف كتاباً تُرجم إلى العربية بعنوان "أركان القصّة" كي يحثّ القرّاء والنقّاد والكتّاب أيضاً على تمييز فنّ القول عن موضوع القول. 

غير أنّ الحقيقة تقول إنّ في كلّ رواية سياسة ما، وقد بيّن محمد شاهين في كتابه الشيّق "فورستر وسياسة الإمبريالية" (المركز القومي للترجمة، 2008) أنّ حياة ومؤلَّفات الروائي البريطاني "تُظهر بوضوح أنّه كان يهتمّ بالقضايا السياسية في عصره"، وأنّه كتب يهاجم الإمبريالية البريطانية نفسها، مدافعاً عن استقلال الشعوب من الهند إلى مصر. ولهذا "فإنّ اهتمامه بالسياسة ما كان بالإمكان استبعاده من رواياته".

اللافت في الفنّ أنّه بلا حدود، ولا قواعد يمكن اتباعها، ولا طرائق مُطلقة. إنّه اقتراحٌ أبديٌّ، دائم، يتغنّى، ويتقدّم، بالمنجزات التي يحقّقها كلّ روائي مشغولٍ بها. وكون الفنّ بلا حدود هو الذي يخلق المصاعب من جهة، والتسهيلات من جهة ثانية. أمّا المصاعب فهي تكمن في خفائه، وأمّا التسهيلات فإنّها تظهر في انفتاحه على إمكانات مطلقة تمنح الكاتب الحقّ والقدرة على تحقيق تلك النسبة الرهيفة بين متى يروي ومتى يقول.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون