مؤخراً، جرى إطلاق مجلّة محكّمة جديدة في الجزائر متخصّصة في العلوم الاجتماعية بعنوان "سوسيولوجيون". تُعرّف المجلة نفسها بأنها "مجلة عربية للدراسات السوسيولوجية المعاصرة"، وسيكون إيقاع إصدارها نصف سنويّ. أشرف على العدد الأول منها الباحث الجزائري مبروك بوطقوقة. "العربي الجديد" نقلت إليه مجموعة من الأسئلة التي تثار مع كل إطلاق مجلّة علمية.
حول الحاجة العربية اليوم إلى مجلات محكمة في علم الاجتماع، يقول الباحث الجزائري في حديثه إلى "العربي الجديد": "لا تتعلّق هذه الأهمية بالعالم العربي وحده، فالمجلات المحكمة من بين المنابر الأكاديمية التي تساهم في خلق فضاءات للنشر والحوار والنقاش، وهي من جهة أولى تشكل المنبر الإجباري للباحثين من أجل نشر وشرح ما يتوصلون إليه من معارف وأبحاث، ومن جهة ثانية تشكل ساحة للحوار بين الأكاديميين يتم فيها مناقشة القضايا الهامة في الحقل المعرفي وتداولها بالتمحيص والنقد، وهو ما يسمح بتطوير المعرفة السوسيولوجية ككل، ومن جهة ثالثة تشكل هذه المجلات جسراً تعبر من خلاله المعرفة السوسيولوجية من الفضاء العالم إلى الفضاء العام".
وحول تفسير نقص المجلات العلمية عربياً، يعتبر بوطقوقة أن "العلوم الاجتماعية تعاني في العالم العربي من التهميش والإبعاد، وهو ما انعكس سلباً على هذه العلوم وعلى المشتغلين بها، ومن الطبيعي أن يكون من مظاهر هذا التهميش العدد المتواضع للمجلات العلمية المحكّمة مقارنة بالدول الغربية".
تعاني العلوم الاجتماعية في العالم العربي من التهميش والإبعاد
يتابع: "بالإضافة إلى ذلك، فنحن في المجتمع العربي عموماً لدينا ثقافة شفاهية غالبة تجرفنا بعيداً عن التدوين والكتابة، ثم إن الأنظمة السياسية المتعاقبة شجّعت هذا الأمر، ومن جهة أخرى يمكن رد جزء من هذا الضعف إلى ضعف المؤسسات التي تعنى بالعلوم الاجتماعية، لأن إصدار مجلات علمية محكمة يتطلب موارد مالية وبشرية على مستوى معين من الكفاءة".
بتخصيص الحديث حول "سوسيولوجيون"، يشير بوطقوقة إلى أن هذه المجلة تأتي ضمن مجموعة من المجلات التي يصدرها مركز "فاعلون للبحث في الأنثروبولوجيا والعلوم الانسانية والاجتماعية" (الجزائر) ضمن رؤية يسعى من خلالها المركز إلى توفير منابر للنشر الأكاديمي في مختلف التخصّصات الأكاديمية، بما يسمح للباحثين وخاصة الشباب منهم بنشر أبحاثهم ودراساتهم.
يلفت بوطقوقة إلى أن "سوسيولوجيون" تتميّز بتخصّصها في علم الاجتماع حصراً، وهو برأيه تخصّص شديد الأهمية خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها شعوب المنطقة مؤخراً، مما يجعل من التركيز على هذا العلم وتفعيله والاستثمار فيه حد الوسائل لتشخيص الأزمات وتقديم الحلول وتطوير السياسات.
سألنا الباحث الجزائري عن رأيه في واقع التفاعل بين الباحثين العرب، فكان ردّه كالتالي: "الحديث عن التفاعل بين الباحثين العرب حديث يطول، خاصة في ظل حالة الانقسام والاستقطاب التي تعيشها الدول العربية، وحسب علمي، وحسب نقاشاتي في هذا الموضوع مع الكثير من الزملاء، فالمشكل ليس في الباحثين بل في مجموعة من الإكراهات الفوقية التي تجعل من التعاون بينهم صعباً. ويزداد الأمر سوءاً إذا انتقلنا إلى المستوى المؤسسي؛ حيث تقف التشريعات والقوانين في كل بلد حاجزاً، لذلك يبقى الكثير من بروتوكولات التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والجامعات حبراً على ورق".
يعقّب هنا بوطقوقة بالقول: "مع ذلك ننوه بارتياح إلى الكثير من المبادرات غير التقليدية لتجاوز هذا الوضع المتأزم، حيث سمحت التكنولوجيات الحديثة بفتح آفاق جديدة للباحثين من أجل إطلاق مبادرات فردية وجماعية للتعاون والتنسيق والتشبيك، وهو ما تجلى في ظهور بعض الشبكات البحثية غير الرسمية التي تعمل على لمّ شمل الباحثين وفتح مسارات تعاون بينهم".