كثيراً ما يُرفع شعار "اللامركزية الثقافية" في تونس. لكن تجسيداته تظل محدودة، حيث أن معظم التظاهرات الثقافية لا تزال منحصرة في العاصمة، كما أن الفعاليات التي تُنظّم في مدن الداخل لا تحظى بالاهتمام الاعلامي الكافي.
في مدينة قلييبة، شمال شرق تونس، يقام هذه الأيام معرضٌ للكتاب هو من التظاهرات الثقافية القليلة التي تقام خلال هذا الصيف، كما أنه الحدث الوحيد المتعلق بقطاع الكتاب منذ قرابة شهرين. معطيات يفترض أن تجلب الأضواء إلى المعرض الذي تنظمه "دار زينب للنشر" و"جمعية كاب قليبية" و"دار الثقافة قليبية".
في حديث إلى "العربي الجديد،" يقول مجدي بن عيسى، مدير دار زينب للنشر: "اللامركزية الثقافية شعار سهل رفعُه وكثيرة هي الاصوات التي تتطالب به. ولكن تنفيذه على أرض الواقع يظل ككل الشعارات صعباً ومحفوفا بالعراقيل. ومشكلة إقراره وتنفيذه تتعلق بالأساس بالبنية الهيكلية والقانونية التي تأسس عليها الفعل الثقافي في تونس منذ الاستقلال والمرتبط بقوة بالمركز لأسباب سياسية مفهومة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولكنها غير ذات معنى بعد أكثر من نصف قرن. لذلك فإن معرض مدينة قليبية محاولة لكسر المركزية في ما يتعلق بمعارض الكتاب. حالياً، يقتصر على عرض الكتاب التونسي، نأمل في كسر احتكار العاصمة له لعرض الكتاب الأجنبي كذلك، وهو كتاب باهض الثمن للمواطن التونسي في كل مكان، وينضاف له تكلفة التنقل من مدن الداخل".
يشير الناشر والكاتب التونسي إلى أن مدينة قليبية تنجح بالتدريج في بناء تجربة ضمن اللامركزية الثقافية ويستشهد بتنظيم تظاهرات أخرى مثل "مهرجان السينمائيين الهواة" الذي "تأسس وعاش وازدهر بعيداً عن المركز" بحسب تعبيره.
وحول الفكرة - المنطلق لـ"معرض قليبية للكتاب"، يقول بن عيسى: "بدأت فكرة المعرض باقتراحات متماثلة من عدد من أصدقاء دار زينب الذين كانوا يزوروننا في مقرنا لاقتناء عناوين جديدة أو للسؤال عن إمكانية الحصول على عناوين ليست من إصدارات الدار، لنكتشف أن شريحة كبيرة من القراء والشغوفين بالقراءة والكتب لا تتاح لهم فرصة حضور المعارض الكبرى في العاصمة، وإن إمكانية نجاح معرض خاص بمدينة قليبية ممكن. هكذا كانت البداية وقد عرضناها على شركائنا ووجدنا منهم الدعم والتشجيع فانطلقنا في التنفيذ وكان النتيجة مشجعة".
هناك خصوصية لدورة هذا العام وهي أنها تكسر فراغاً ثقافياً تعرفه تونس طوال الصيف. لكن هل ساهم ذلك في إشعاع المعرض؟ يؤكّد الناشر التونسي بأن مقوّمات نجاح المعرض ذاتية أساساً، حيث يقول:"الحقيقة أن للصيف خصوصية في مدينة قليبية بغض النظر عن مسألة الجائحة وتعطل الأنشطة الثقافية من عدمه. فمدينة قليبية صيفاً واحدة من أكثر المدن التونسية استقطاباً للسياحة الداخلية، وهو ما يخلق حركية مميزة فيها. هذا هو العامل الأهم الذي ساعدنا على إنجاح التظاهرة، فالمعرض ينجز باسم مدينة قليبية ولأهلها من الشغوفين بالكتب ولكل مولع بالكتب في المدن القريبة المجاورة. ولزوارها أيضاً الذين ينزلون ضيوفاً على شواطئها خلال فترة الصيف".
وحول تظافر الجهود من داخل المدينة لإنجاح المعرض، يقول بن عيسى: "لا شك أن الشراكة بين دار زينب للنشر وبين جمعية كاب قليبية ودار الثقافة بالمدينة عامل مهم لإنجاح المعرض، لأنهليس مجرد سوق لبيع الكتب وتخفيضات خاصة، هو برمجة ثقافية موازية توضع ضمن رؤية تراعي المراوحة بين الترفيه والتثقيف والتعريف والتكريم وهذا يحتاج إلى شركاء ثقافيين ولا تستطيع دار النشر إنجازه. لكن هؤلاء الشركاء ليسوا وحدهم من يضطلع بدور في إنجاح التظاهرة، فبقية دور النشر التونسية الحاضرة بإصداراتها لها دور، فهي التي تؤمّن لنا رضيد المعروضات التونسية وتسمح لنا بالتخفيضات السخية التي نقدمها لجمهور المعرض. شغف الناس بالكتب ومحبة فئة خاصة من أصدقاء الدار في قليبية لهم دور كبير أيضاً في إنجاح التظاهرة. ولهؤلاء جميعاً نعبر عن امتناننا، وإن كان المعرض ينجز في هذه الدورة منقوصاً من كثير من فقراته الثقافية نزولا عند إكراهات الوضع الصحي وبروتوكلاته".
سألنا الناشر التونسي عن تفاعل بقية دور النشر مع المبادرة، فأجاب: "الحق أن فضل الناشرين التونسيين على معرض مدينة قليبة كبير. ولولاهم ما كان لهذه التظاهرة أن تنجح وأن تتقدم. لقد قدم لنا الناشرون التونسيون من زملائنا في "اتحاد الناشرين" وأصدقائنا في "الرابطة" كل الدعم من غير قيد ولا شرط، وفتحوا لنا كل أرصدتهم الجديدة والقديمة. وساهموا بقوة في إنجاح شعار المعرض "كتاب في كل بيت" بالتخفيضات السخية التي سمحوا بها. وليس هذا بغريب على الناشر التونسي الذي يؤكد مرة أخرى أنه مناضل ثقافي أكثر منه تاجر كتب وأن الظروف القاسية التي فرضتها عليه الجائحة لم تمنعه من مواصلة دوره الثقافي في نشر الثقافة وإيصال الكتاب التونسي بأسعار قد لا تكون عادلة للناشر في هذه الفترة الصعبة ولكنها تدخل على أي ناشر البهجة وهو يرى كتبه تصل إلى القارئ في كل مكان".