مؤخراً، صدر عن منشورات "جامعة منوبة" و"المعهد العالي للحركة الوطنية"، كتاب "أزمنة الحركة الطلابية التونسية" للمؤرّخ التونسي محمد ضيف الله. وقبل فترة قصيرة، صدر كتاب جماعيّ في فرنسا حول الحركة الطلابية في العالم، كان ضيف الله المؤرّخ العربي الوحيد الذي دُعي للمشاركة فيه. يدعونا ذلك لتحسّس معالم مشروع تأريخي موضوعه الحركة الطلابية، وهو موضوع قليل الحضور في الكتابة التاريخية العربية إلى حد بعيد. "العربي الجديد" تحدّثت إلى الباحث التونسيّ عن واقع هذا المجال وعن انشغالاته.
■ يبدو كتابك الأخير "أزمنة الحركة الطلابية التونسية" مثل خلاصة لأعمال سابقة حول تاريخ الحركة الطلابية.أي إضافة يقدّمها؟
هذا الكتاب هو في الحقيقة جزء ثان من كتاب سابق يُغطي نفس الفترة (1910 -1991) وعنوانه "تراجم الناشطين في الحركة الطلابية التونسية". في الكتاب الأول، قمت بدراسة تاريخ الحركة الطلابية من خلال الأفراد والناشطين، من خلال قيادات الحركة الطلابية على امتداد ثمانين سنة تقريباً، وهذا الكتاب تناولت المسألة من زاوية أخرى هي تاريخ الحركة الطلابية ولكن اعتماداً على الوثائق في حد ذاتها، ناهيك عن تقديم مدخل عام لتاريخ الحركة الطلابية التونسية في هذا الكتاب يعطي الخطوط العريضة، وعناصر استمرارية الحركة الطلابية بغضّ النظر عن الفترات والسياقات، فمثلاً تشتبك الحركة الطلابية بالسياسة وبإصلاح التعليم، وهذه من الثوابت سواء في عهد الاستعمار الفرنسي أو في عهد الدولة الوطنية. من جهة ثالثة، أشير إلى أن الحركة الطلابية التونسية لم تكن منغلقة على نفسها وإنما كانت لها علاقات خارجية وذلك أيضاً من ثوابتها بغضّ لنظر عن التوجهات السياسية للناشطين فيها. هذا هو العنصر الجديد الذي لا نراه عادة في تاريخ الحركة الطلابية، حيث جرت العادة أن يُدرس في فترات ضيقة، وهو ما لا يمكّن الوقوف على عناصر الاستمرارية، كما يمنعنا من فهم تتابع المسار التاريخي فالشباب الطلابي زمن الحركة الوطنية خلال العهد الاستعماري، وهو الذي سيمسك بالدولة الوطنية وبالمجتمع المدني وبحركات المعارضة خلال فترة الدولة الوطنية، ومنها تتفرّع أيضاً جميع النخب الثقافية في كل المجالات تقريبا؛ في الكتابات الأدبية من شعراء وروائيين ونقّاد، ثم في ما بعد من مسرحيين وسينمائيين وغيرهم.
■ كيف تكوّن لديك الاهتمام بهذا المبحث، تاريخ الحركة الطلابية؟
الحقيقة أن الاهتمام بالحركة الطلابية نشأ مع مروري بالجامعة لأنني عاصرتُ فترة كان فيها الطلبة يهتمّون بالقضايا العامة ومنها التاريخ الطلابي، وباعتبار أنني كنتُ طالباً يدرس التاريخ لفت نظري ذلك وركزت منذ ذلك الوقت على التعرّف على ما كُتب حول الحركة الطلابية. هو نوع من الهواية إن شئنا، قبل أن أبدأ في تحويل ذلك إلى مبحث علميّ بداية من المرحلة الثالثة حين اقترحتُ الاهتمام بالحركة الطلابية ولم يكن هذا المبحث آنذاك قد دُرس في قسم التاريخ بالجامعة التونسية، وهكذا كان البحث في الحركة الطلابية جزءاً من مجالات بحثية أوسع مثل تاريخ الشباب وتاريخ النخب.
■ مؤخرا شاركت في كتاب جماعي بالفرنسية حول الحركات الطلابية في العالم. ماهي أبرز أفكار بحثك؟
منطلق هذا البحث ندوة انتظمت بباريس في وقت سابق وكان محور مداخلتي علاقة الطلبة بإصلاح التعليم وقد وجدت أن إصلاح التعليم من الموضوعات التي يهتم بها الطلبة التونسيون منذ نشأة الحركة الطلابية. وقد ركّزت على فترة ما بعد بعد الاستقلال والتي تظهر مواقف الطلبة من سياسات التعليم سواء الابتدائي أو الثانوي أو الجامعي، وهنا تظهر محطّات مفصلية مثل 1958 وهو تاريخ أول مشروع لإصلاح التعليم ما يعرف بـ"مشروع المسعدي"، وصولاً إلى "مشروع بن ضياء" (1985) الذي أسقطته الحركة الطلابية باعتبار أنه يهدف إلى الخصخصة والقضاء على العمل السياسي والنقابي داخل الجامعة.
■ كنت الباحث العربي الوحيد المشارك. كيف ترى ذلك؟
يعود هذا الأمر إلى منظّمي الندوة وهم يتابعونني منذ سنوات، وكما هو معروف فموضوع البحث في الحركات الطلابية لا يهتم به إلا قلة. وفي العالم العربي، إضافة لقلة الاهتمام بالموضوع ضمن مشهد المباحث التاريخية عامة، نلاحظ أن من يهتم بالحركة الطلابية يقتصر في الغالب على كتاب واحد وينتهي هذا الانشغال وهو ما لا يتيح إثارة العديد من الإشكاليات التي لا تبرز إلا بالمثابرة ضمن نفس التوجّه.
■ هل ترى أن هنا تفاعلا من المؤسسة الجامعية التونسية مع كتاباتك؟
دُعيت في مناسبات عدة ضمن ندوات تعقدها نوادي طلابية قبيل الثورة وبعدها. يحدث هذا بشكل متواتر في تونس. أما عربياً، فقد شاركتُ مثلاً منذ سنتين في ندوة انعقدت في لبنان حول تاريخ الجامعات وشاركت في كتاب جماعيّ بعنوان "سير عشر جامعات حكومية عربية" وفيه درست "جامعة تونس" باعتبارها من أقدم الجامعات. وخلال هذه الدراسةـ لم أجد مساعدة من الجامعة في حد ذاتها، لكن عندما صدر الكتاب كان هناك حرص على الحصول على البحث ربما لأنه لم يقع تقديمه في تونس بل في لبنان وكتبت عنه الصحافة العربية. بشكل عام، أعتقد بأن الجامعة لا بد أن تتذكّر تاريخها بتعدّده ضمن تاريخ المؤسسات، وهنا يمكن أن نفرّع المسألة إلى تاريخ للطلبة وتاريخ التعليم وتاريخ المبيتات وتاريخ الأساتذة.
■ بعد هذه التجربة البحثية في تاريخ الجامعة، لو توجّهت بخلاصة لطالب تونسي شاب، ماذا تقول؟
لا يجب أن يهتم الطالب بالدراسة وحدها، لأن الدراسة قد تتيح له دخول سوق الشغل، ولكنها لن تتيح له دخول فضاءات أكثر حيوية في المجتمع. أعتقد أن الاطلاع على تاريخ الحركة الطلابية التونسية في مختلف فتراتها يعتبر مكملاً لتكوين الطالب والذي عليه أن يجمع بين الاهتمام بتخصّصه العلمي والاهتمام بشؤون مجتمعه ومستقبله، وهذا مهمّ للغاية لأنه من غير الممكن تحقيق الخلاص الفردي في مجتمع لا يراوده أمل الخلاص الجماعي.