في الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة الفلسطينية، يتيح "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" على موقعه الإلكتروني مجموعة من الأوراق والكتب لتحميلها إلكترونياً، ومنها "أصحيح أن معاداة الصهيونية هي أحد الأشكال الحديثة لمعاداة السامية؟" لـ عزمي بشارة، و"اللغة العربية في النظام الصهيوني - قصّة قناع استعماري" لإسماعيل ناشف، و"داخل السور القديم: نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدّس" لبلال شلش، وغيرها.
في بحثه "ذاكرة المكان: أسماء المدن والقرى الفلسطينية ما بين الاستمرارية التاريخية والطمس الصهيوني" التي نُشرت في العدد 33 من مجلة "تبيّن"، يشير الآثاري والمؤرّخ الفلسطيني محمد مرقطن، إلى أنه "لا توجد إحصائية متكاملة عن أسماء الأماكن في فلسطين والتي تشمل أسماء القرى، والمدن، والوديان، والجبال، والعيون، والخِرَب، والأماكن المقدسة للأولياء، ومضارب البدو وغيرها. لكن هناك بعض الإحصائيات تقدرها بنحو عشرة آلاف اسم. أمّا عدد أسماء القرى والمدن فيقدرها بناء على "أطلس فلسطين" لسليمان أبو ستة بنحو 1600 قرية ومدينة".
ويوضح مرقطن أنه "بعد النكبة، تكرّست الذاكرة الجمعية الفلسطينية، وأصبحت المدن والقرى الفلسطينية المدمرة تشكل الركائز الأساسية لأماكن الذاكرة الفلسطينية، والتي ارتبطت بها الأحداث التاريخية والشخصيات الأدبية والنخب والمؤسسات الفلسطينية، وصيغ ذات أهمية عاطفية ورمزية عالية للصورة الذاتية الاجتماعية للفلسطينيين".
تم تشكيل لجنة من علماء التوراة والآثار سنة 1949، كانت مهمتهم رسم خريطة عبرية لفلسطين
ويرى أن مصادر دراسة الأماكن في فلسطين يمكن تلخيصها بمصادر الشرق الأدنى القديم، ومنها المصادر المصرية والأكادية ورسائل العمارنة والسجلات الملكية الآشورية والبابلية، والعهد القديم، والنقوش العربية الجنوبية القديمة وأهمها النقوش السبئية في القرن السادس قبل الميلاد والمعينية في القرن الثالث قبل الميلاد، والمصادر اليونانية واللاتينية، وكتب الجغرافيين والرحالة العرب والمسلمين كالمقدسي وياقوت الحموي، والمصادر الصليبية وتقارير الرحالة والحجاج الأوروبيين، والأرشيفات العثمانية وأرشيف المحاكم الشرعية في فلسطين، والدراسات العربية الفلسطينية، وخرائط ووثائق المسوح الأثرية.
كما يلفت مرقطن إلى أن منهجية دراسة مفهوم أماكن الذاكرة تعتبر حديثة نسبياً ولا تتعدى الثلاثة عقود الماضية، إذ يعود استخدام مصطلح "مكان الذاكرة" في العلوم الإنسانية إلى المؤرخ الفرنسي بيير نورا، مبيناً أن فلسطين، عبر تاريخها الطويل، ظهرت فيها حضارات مختلفة وشعوب وثقافات متنوعة، وغزاة من مغول وتتار إلى صليبيين ومستعمرين غربيين وغيرهم، وإذا ما نظرنا في باطن هذه الأرض عمودياً، نجد بقايا لتراكمات من الثقافات والروايات أو الحروب والدمار، جميعها مدفونة في أرض فلسطين، كلها ذابت وانتهت. بقي الشعب الفلسطيني يشكل الاستمرارية للاستقرار البشري على هذه الأرض وثقافتها، وتتجسد هذه الاستمرارية في أسماء المدن والقرى الفلسطينية، حيث بقي الكثير منها محافظاً على الأسماء نفسها بتحوير قليل، عبر نحو أربعة آلاف سنة إلى اليوم، ومنها يافا، وعكا، وبيسان، وغزة، وأريحا، وعسقلات، وبيت لحم".
وينبّه إلى أنه "يمكن التعرف إلى أربع طبقات لغوية رئيسة في أسماء الأماكن الفلسطينية: الكنعانية، والآرامية، واليونانية والرومانية، والعربية – الفلسطينية. وفي العديد من الحالات، يصعب التمييز بين المجموعات اللغوية المختلفة، وكيفية حدوث عملية تحديد أسماء الأماكن الكنعانية وكيفية تعريب أسماء الأماكن الآرامية أو الكنعانية".
يشير مرقطن إلى سعي الاستيطان الصهيوني إلى تغيير هذا الأسماء منذ باية القرن العشرين، و"بعد تأسيس "إسرائيل" على أرض فلسطين، تم تشكيل لجنة من تسعة من كبار علماء التوراة والآثار سنة 1949، كانت مهمتهم رسم خريطة عبرية لفلسطين، وتغيير أسماء المدن والقرى الفلسطينية المهجرة والمدمرة، واختراع أسماء عبرية لها، وكذلك للوديان والجبال وغيرها. كما تم تأسيس لجان فرعية للغرض نفسه، ومنها لجنة خاصة بالنقب".
وتبنّت "إسرائيل"، بحسب الباحث، الخريطة الذهنية الغربية المتخيلة لفلسطين، وهي نموذج استشراقي بامتياز، والفكرة الذاتية الغربية الاستعمارية، كما يريدها الغرب ويحسّ بها وليست كما هي على حقيقتها، حيث وضعوا تصوراً مشوهاً للصورة الواقعية للمدن والقرى الفلسطينية، مستشهداً بعالم الاجتماع الفرنسي هالبفاكس الذي قال في كتابه "الذاكرة الدينية المسيحية في فلسطين" إن الأرض المقدسة في الكتاب المقدس كانت ولا تزال وهمية".
وختم مرقطن بدعوته إلى تبني الباحثين منهجية علمية قوامها الذاكرة الجمعية الفلسطينية، بما فيها الذاكرة التواصلية والذاكرة الثقافية، واعتماد منهجية علم اللغات السامية المقارن والمنهج التاريخي، والتحرر المطلق من المنهجية اللاهوتية العقيمة في التعامل مع أسماء الأماكن الفلسطينية.