تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أتمنى أن تركّز الترجمة العربية، والأدبية منها خصوصاً، على الكيف قبل الكمّ"، تقول المترجمة والناقدة المصرية في حديثها إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتكِ مع الترجمة؟
كانت علاقتي بالترجمة سيّئة للغاية طوال فترة دراستي في قسم اللغة العربية، حيث كانت إحدى المواد الدراسية التي لم أتقبّل الطريقة التي دُرِّسناها بها على الإطلاق، ثم قرّرت خوض معترك الدراسة مرةّ أخرى، فالتحقت بكلّية الآداب، قسم الترجمة الإنكليزية، لتتغيّر فكرتي عنها، ومن ثمّ فكّرت بالالتحاق بهذا المجال.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟
الترجمة الكاملة لرواية "ديفيد كوبرفيلد" لتشارلز ديكنز هي آخر ترجماتي، وقد صدرت عن "دار آفاق" هذا العام. أعمل هذه الأيام على إتمام رسالتي لنيل درجة الدكتوراه في مجال الأدب الحديث من قسم اللغة العربية وآدابها في "جامعة القاهرة".
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
يواجه المترجم تحدّيات دائمة تدفعه إلى التطوّر والبحث والتجديد، وأقصد بالتحدّيات ما يتعلّق بعلاقة المترجِم بالنص. أمّا العقبات، فتنشأ غالباً في دائرة النشر بما فيها من إجراءات: بدايةً من حقوق الترجمة ــ إن وُجدتْ ــ مروراً بأجر المترجم وتوزيع الكتاب وما إلى ذلك، لكنّها دائرة أرفض فيها تبادل الاتّهام، خصوصاً في وقت يشهد فيه العالم محاولة لاسترداد توازنه.
المترجم أكثر القرّاء غوصاً في العلاقة التي تنشأ بينه وبين الكاتب
■ هناك قول بأنّ المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة مَن يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
لم ألجأ إلى التحرير إلى الآن، لكنّني أفدت أيّما إفادة من التعامل المباشر مع المصحّحة اللغوية لترجمتي الأخيرة، وأحبّ هنا أن أوجه إلى غادة أحمد كلّ الشكر والعرفان، إذ تفيدني نصائحها في تطوير أسلوبي. لكنّني لا أنكر أهمّية المحرّر بوجه عام لمَن يحتاجه، بل أرى في الدور الذي يلعبه أهمّية لم نزل نغفلها حتى الآن.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، لا سيّما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
كنت سعيدة الحظّ في معظم تعاملاتي مع الناشرين، وإن لم تخلُ مسيرتي القصيرة للغاية من مشكلات أربكتني، لا أحبذ التطرّق إليها.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك الأعمال التي تترجمينها، وإلى أيّ درجة تتوقّفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
أحسب أنّ تخصيص الموقف السياسي ليس بالتخصيص الدقيق، ربما الأدقّ التعبير بالموقف الفكري، إذ إنّ الأفكار سياسة وفلسفة وسلوك. قد يختار المترجم ترجمة أحد الأعمال المهمّة من دون أن يوافق على أفكار كاتبها تماماً، لكنّه يلعب دوره ببراعة ويحرص على إيضاح الآخر وإظهاره وإن لم يوافقه. وبصورة خاصّة، لم أواجه إلى الآن ما قد أعتبره مقلقاً أو غير مطروح في الساحة الثقافية لِأواجه به أيّ مشكلات على مستوى التوجّهات السياسية.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
تمرّ علاقتي بالكتاب الذي أترجمه في عدّة مراحل متداخلة دون تراتب، وأحسب أن المترجم أكثر القرّاء غوصاً في العلاقة التي تنشأ بينه وبين الكاتب. إذ أتأثّر وأتعاطف مع الشخصيات، تستوقفني بعض التعبيرات والجمل والمواقف، وأستغرب أحياناً من إسهاب الكاتب، وأتمنى أحياناً أخرى لو أطال في هذا الموقف أو ذاك. إنها انفعالات قارئ لكنّها أكثر عمقاً وأشدّ مجادلة، وأحرص على اتّخاذ هيئة الحياد.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
أضيف أنني في علاقة أكثر تشابكاً بحكم دراستي للنقد الأدبي، ما جعلني أمرّ بصراعات حاولتُ التغلّب عليها، إذ سبق تخصّصي الأكاديمي في النقد على كتابتي الروائية، ومن ثم كانت الكتابة تحدّياً للتحرّر من صوت الناقد المثبِّط داخلي، ثم جاءت الترجمة لتصالح بين هذا وذاك، وتضيف علاقة سخية تجمع بين الإبداع والقدرة على الانتقاء والتعبير، مع الانفتاح على عالم الآخَر واكتشافه.
■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
أراها حافزاً، ويدرك مَن يتابع حركتها أنها ليست بالضرورة منصِفة في كلّ الأحوال، لكنّها محاولة لتنشيط الحركة الثقافية.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
أشعر أنني أفتقد التنظيم، ولهذا أخجل من أن أشير إلى أن التنظيم والتنسيق والمضيّ قُدماً في أعمال ذات توجّه مميّز واستعانة المؤسّسات بأصحاب الخبرات هو ما تحتاجه الترجمة عربياً.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
سأعتبر الإجابة عن هذا السؤال نصيحة أُسديها لنفسي لأغيّر عاداتي في الترجمة من التقيّد بالظروف المحيطة والفوضى إلى التخطيط وتنظيم الوقت.
■ كتاب أو نص ندمتِ على ترجمته ولماذا؟
لم أتعرّض إلى هذا الموقف حتى الآن.
■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
أتمنى أن تركّز الترجمة العربية، والأدبية منها خصوصاً، على الكيف قبل الكمّ، إذ وقعت عيني مصادفةً على عددٍ من الترجمات دون المستوى المأمول، ما يسيء إلى صورة العمل ويقدّمه بصورة تنفّر القارئ من كاتب ما أو عمل أدبيّ ما. هدفي وحلمي ألّا أقف عن التعلّم والدهشة، وأن أرى عملي في الترجمة باباً أطرقه قبل غيري لأفتح آفاقاً متكرّرة لهذا الحلم.
بطاقة
ناقدة ومترجمة مصرية. نقلت إلى العربية أعمالاً مثل "قصّة الولد الصغير الشقيّ" لمارك توين (2016)، و"جوزيف فوشيه: سيرة سياسي" (2020) و"معجزات الحياة وقصص أخرى" (2021) وكلاهما لستيفان زفايغ، و"ديفيد كوبرفيلد" لتشارلز ديكنز (2022). ولها في التأليف: "التصوّف في الرواية المصرية المعاصرة" (2018) و"سليمان العطّار ناقداً ومؤرخاً للأدب ومبدعاً" (مؤلّف جماعي، 2021)، وروايتا "في مقام العشق" (2013) و"العالم على جسدي" (2014)، وكلاهما بالاشتراك مع الكاتب يوسف نبيل. نالت جائزة "نجيب محفوظ" للعمل النقدي في دورتها الثالثة (2017) عن بحثها "تصوف الرواية بين معجم الغيطاني وجدال محفوظ".