إذا كانت النوستالجيا، في تعريفها وفي أصلها اللغوي اليوناني، تعني حنيناً إلى وطن بات بعيداً، فإن هذا الحنين قد يأخذ أشكالاً أُخرى لا علاقة لها بالابتعاد عن الأرض الأولى، حيث يمكن للماضي، أو للحظاتٍ ومشاهد منه، أن تكون موضوعاً لحنين يختبره المرء بينما هو يقيم في المكان نفسه الذي شهد فيه تلك اللحظات.
من هذا الفهم للحنين ندخل إلى أعمال الفنانة التشكيلية اللبنانية نايفة نصّار في معرضها "نكهة: عبقُ الماضي"، الذي يستضيفه "غاليري كاف للفن المعاصر" في بيروت حتى يوم الجمعة المقبل، الثالث والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري.
يُقيم الماضي الذي تعود إليه الفنانة في مساحة واحدة، تنوّع عليها لوحات المعرض المشغولة، في أغلبها، بالأكريليك على القماش والخشب: كرسيٌّ من الخشب والقشّ، وتفّاحةٌ حمراء، وبلاطٌ بأشكال هندسية، إضافة إلى شمسٍ لا نراها، لكنّنا نرى أثرها على المشهد أو في الظلال التي تُرافق الكرسي في اللوحات.
تُحيلنا كلّ هذه العناصر، مجتمعةً، إلى مشاهد مألوفة في لبنان والبلدان المتوسّطية بشكل عام: حيث الجلوس، خلال ساعات النهار، في حديقة المنزل التي يغمرها ضوء الشمس، أو في الظلّ خلال الساعات الأشدّ حرارةً. وبالنسبة إلى الفنانة، فإن تصاويرها المتعدّدة لهذا الكرسيّ الصغير، تُعيدها إلى ساعات قضتها صغيرةً إلى جانب جدّها في جلساته النهارية، وكأنها، في تصويرها الكرسيّ من مختلف الزوايا، تبحث عن التقاط تلك اللحظات الماضية، أو إعادة اكتشاف شيءٍ من سرّها.
إلى جانب هذه الواقعية، التي تُحيل إلى ماضٍ حقيقيّ ومعاش قد نشارك الفنانة فيه، فإن المعرض يذهب أحياناً إلى ما وراء التذكُّر الحرفيّ والتصوير الواقعيّ، كما هو الحال على سبيل المثال مع التفاحة الحاضرة في العديد من اللوحات، والتي تتجاوز في الغالب صفتها كفاكهة عاديّة قد تُقَشَّر وتؤكل في جلسات ما بعد الظهيرة، لتُصبح تكثيفاً لشهوةٍ، لرائحةٍ قد يصعب وصفُها أو للغةٍ طفولية.