في نصه المسرحي "تائهون"، اشتبك الناقد والباحث التونسي عبد الحليم المسعودي مع جملة صراعات مجتمعية أفرزتها المنظومة الحاكمة السابقة، والتي دفعت المجتمع إلى دوامة من الفساد والعنف والجريمة والأمراض النفسية.
ويطرح النص تساؤلات راهنة حول الواقع الذي يعيشه الشباب في تونس خلال العقد الأخير، وما شهده من أحداث قادت إلى تحوّلات اجتماعية وسياسية وثقافية أثّرت في المزاج العام لهؤلاء الشباب، الذين يواجهون فوضى الشعارات والتخوين والاتهامات المتبادلة بين النُّخب التونسية، وغياب الدولة وتراجُعها عن دورها ومسؤولياتها.
ضمن فعاليات مهرجان "تونس مسارح العالم"، تُعرض عند التاسعة والنصف من مساء غدٍ الاثنين مسرحية "تائهون" من إخراج نزار السعيدي، في "قاعة الفن الرابع" بتونس العاصمة، والعمل من تقديم "شركة فنار للإنتاج".
المسرحية التي تمزج بين الأداء والموسيقى والفيديو والكوريغرافيا، تروي قصة فتاة مراهقة تُدعى "إشراق" تقتل والدتها، وتنكّل بجثتها ثم تهرب، وتحوّل فعلتها إلى مادة على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال إرسالها فيديوهات تكشف جريمتها.
يسعى صنّاع العمل إلى تقديم الشخصية المحورية "إشراق" باعتبارها نموذجاً يمثّل المئات، بل الآلاف من المراهقين، وعيّنة من شباب تونسي يتعرّض للتنمر والضغط العائلي، وتُجهض أحلامهم وينقطع بعضهم عن التعليم على نحو إجباري.
وسرعان ما تتحوّل جريمة القتل إلى ظاهرة إعلامية تتفاعل معها مجموعة من الأشخاص والمؤسسات، كلٌّ حسب مجال تخصّصه، للبحث عن الدوافع الخفية لهذه الفتاة، في محاولة لفهم ما وراء هذه الحادثة، وفي أثناء عملية البحث عن المجرمة الفارّة من وجه العدالة، تقوم إشراق بالجريمة الثانية وتقتل أستاذها، وبعد أسبوع من الملاحقات والتحقيقات تنتهي المسرحية بانتحار الفتاة، تاركة وراءها أسئلة عالقة حول التيه والضياع اللذين يُحاصران الفرد التونسي اليوم.
يشير السعيدي في تقديم العرض إلى أنه "يسعى لتقديم مسرح يستدعي التفكّر ويرتبط جدلياً مع متلقّيه، ويقطع مع ثقافة الاستهلاك والتفاهة التي ضربت جميع الأسس والقِيم، ويحاول إيقاظ الفكر وفتح الحوار حول قضايا مصيرية لمستقبل المجتمع، مسرح ينطلق من الراهن المحلّي كعيّنة بحث لإشكاليات إنسانية كبرى، ويقوم بدوره الحيوي لإكساب المجتمع مناعة أمام الظواهر التي نخرته".
يشارك في التمثيل كلٌّ من: رمزي عزيز، وجمال ساسي، وانتصار العيساوي، وتماضر الزرلي، ومحمد شعبان، وعلي بن سعيد، وصادق الطرابلسي.