استمع إلى الملخص
- **أطروحة الكتاب ومحتواه:** يناقش الكتاب صعوبة تحدث البيض عن العنصرية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة بُنيت على مبدأ المساواة لكنها مارست العنصرية. يوضح أن القوانين والمؤسسات تدعم تفوق البيض.
- **مفهوم الهشاشة البيضاء:** تُعرّف ديانجلو "الهشاشة البيضاء" كاستجابات دفاعية تعزز التفوق العرقي للبيض، وتفند فكرة أن العنصرية هي فقط أفعال فردية، مؤكدة أنها بنية نظامية.
صدرت الطبعة الأولى من كتاب "هشاشة بيضاء: صعوبة أن يتحدّث البيض عن العنصرية" للكاتبة الأميركية روبين ديانجلو عام 2018، في مشروع مكمّل ومفصّل لمقالة كتبتها عام 2011، حيث قدّمت المؤلّفة للمرّة الأولى مصطلح "الهشاشة البيضاء". ومع انفجار مظاهرات حركة "حياة السود تهم" عام 2020، في الولايات المتحدة الأميركية، بعد مقتل جورج فلويد، تصدّر الكتاب قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، وأصبح من مرجعيات ما يسمّى حرب الثقافة بين المحافظين الجُدد واليمين المتطرف من جهة، ومناهضي العنصرية واليسار الليبرالي من جهة أخرى، وعلى رأسهم أفراد حركة "اليقظة".
ترتكز أطروحة الكتاب (صدرت ترجمته العربية عن منشورات "تكوين" عام 2023 بترجمة نوال العلي) على السؤال التالي: لماذا يصعب على البيض التحدّث عن العرق والعنصرية؟ تجيب الكاتبة عن سؤالها بالقول: "إن الهشاشة البيضاء هي مفكِّكة البنى العنصرية في المجتمع الأميركي". ربّما هذا ما دفع الناقد الأميركي مايكل إيريك دايسون في مقدّمته للكتاب إلى القول أنَّ ديانجلو "تجبرنا على رؤية أنَّ السياسات الأميركية كلّها قامت على الهويات، وأن هذه الهويات هي سمات حاسمة في الصراع مع الكيفية التي أخطأنا فيها الأمور، وهو ما يعني في كثير من الأحيان جعلها بيضاء".
يعالج الكتاب منذ بدايته تناقض الأُسس التي قامت عليها الولايات المتحدة الأميركية، فرغم أن مبدأ المساواة ما بين الناس هو ركيزة هذا التأسيس، فإنَّ بنية النظام الأميركي الثقافية والاقتصادية قامت على قاعدة إبادة السكان الأصليين وسلب أراضيهم، ومراكمة ثروات هائلة باستعباد السود وحرمانهم من أبسط حقوقهم بما هم بشر. وعند وضع كل هذا في سياق تاريخي – علائقي من جانب وتراكمي من جانب آخر، نجد أن المنظومة المؤسّساتية الأميركية قامت على سياسات الهويات، والفصل فيما بينها على أساس استحقاق الإنسان الأبيض وبقائه في أعلى الهرم العرقي.
بُنيت القوانين والمؤسّسات والنّظم على أساس "تفّوق" البيض
تشير ديانجلو إلى استناد الآباء المؤسّسين من أمثال توماس جيفرسون؛ الذي كان يمتلك مئات العبيد، إلى العلم لتبرير أنماط الهيمنة والخضوع، ودحر التناقض ما بين ممارسات المستعمرين البيض الوحشية، والمثل العليا التي يدّعونها. فكان لعلم الأعراق نصيبه في تأسيس المعايير الثقافية والأحكام القانونية التي شرّعت العنصرية في الولايات المتحدة. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ ما يُسمَّى علم الأعراق هو علم زائف ابتدعه الأوروبيون لإحكام سيطرتهم وتبرير استعمارهم للعالم. إذاً، في البدء كان الاستغلال أولاً، ثم تبعته أيديولوجيا الأعراق غير المتكافئة لتبرير هذا الاستغلال.
وتحاجج ديانجلو بأنَّ عدم تسمية المجموعات التي تواجه العقبات يخدم أولئك الذين يملكون القدرة فحسب، والقدرة التي تتمتع بها المجموعة المسيّطرة هي قدرة كليّة. وفي هذا الإطار تذكر مثال النساء البيض اللواتي حصلن على حق الاقتراع عام 1920، حيث منح الرجل الأبيض لهن هذا الحق. كما أنَّ الرجل الأبيض هو الذي من منح السود حقوقهم المدنيّة واعترف بهم بشرا متساوين في ستينيات القرن الماضي.
وتشرح الكاتبة أنَّ آلية المنح هذه تُثبت تراتبية القوى الاجتماعية العرقية والجنّدرية، وبالتالي تراتبيّة الهويّات ضمن علاقات هذه القوى وتصادماتها. فمنح السود حقوقهم المدنية، مثلاً، لا يُلغي الامتيازات التي يتمتع بها البيض، ولا يلغي العنصرية اتجاههم، ذلك أنَّ القوانين والمؤسّسات والنظم الاقتصادية بُنيت على أساس تفوّق البيض وتهميش الفئات الأخرى. وبالتالي فإنَّ تنامي هذه الامتيازات وتجذّرها في النظام عملية مستمرة تشكّل واقع المجتمع الآني بناءً على السياق التاريخي الذي نشأت من خلاله العلاقات الاجتماعية العرقية.
وتتوغل الكاتبة في مفهوم العرق وتعرّفه على أساس أنّه "فكرة اجتماعية متطوّرة ابتُكرت لإضفاء شرعية على اللا مساواة العرقية وحماية امتيازات البيض، كما تشير المؤلّفة إلى أهمية التفريق ما بين التمييز والتحامل والعنصرية. فالتحامل هو حكم مُسبّق على الآخرين بناء على الفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها. أمّا التمييز فهو الفعل القائم على هذا التحامل، أو التصوّر المسبّق. وعندما يكون التحامل فعلاً جماعياً لمجموعة عرقية تُسيطر على القانون وتتحكّم بالمؤسّسات وتستحوذ على وسائل الإنتاج، يتحوّل إلى عنصرية. العنصرية، تبعاً للكاتبة، هي بنية، وليست حادثة أو فعل لحظي نابع من التحامل.
استناد إلى علم الأعراق لتبرير أنماط الاستعمار والعنصرية
وبعد هذا كله، تنتقل الكاتبة إلى معالجة علاقة القوى بين البيض والملونين، حيث ترى "أن اتجاه القوة بينهم هو اتجاه تاريخي وتقليدي جرى تطبيعه في الأيديولوجيا". هكذا يصبح البياض مكانة اجتماعية لها مكتسباتها وامتيازاتها القانونية والاقتصادية، وهو ما يتعارض مع مفهومي الفردانية والجدارة اللذين يقومان على أساس أنَّ النجاح والفشل ليسا نتيجة الهياكل والبنى الاجتماعية، بل نتاج الفرد وتخلّفه عن العمل لتطوير ذاته وتغيير واقعه. هكذا لا يكون للعرق علاقة بنجاح الأشخاص وفشلهم. ولكن بما أن قوانين الفصل العنصري ألغيت وصار الجميع متساوين قانونياً، فإنه لا يجوز اتهام النظام المؤسّساتي والمجتمع بالعنصرية، كما لا يصح اتهام البيض بسيطرتهم على الامتيازات والمكتسبات الاقتصادية والسياسية. هنا تحديداً تصل الكاتبة إلى ما تسميه تعبير "الهشاشة البيضاء".
وتعرّف الكاتبة الهشاشة البيضاء بأنها عبارة عن "استجابات في إعادة التوازن الأبيض من حيث إنها تصدُّ التحدي وتعيد راحتنا العرقية وتحافظ على هيمنتنا داخل التسلسل الهرمي العرقي"، أي بتعبير آخر، هي مجموعة من الآليات الدفاعية وأنماط الاستجابات التي تلغي مسؤولية البيض من مشاكل التفاوت العرقي، وتعمل على ضمان شعورهم بالأمان والاستحقاق والتفوق الذاتي على الآخرين. فـ"القول بأنّ البياض يتضمن مجموعة من الممارسات الثقافية التي لا يعترف بها البيض أنفسهم هو فهم العنصرية باعتبارها شبكة من المعايير والأفعال التي تخلق باستمرار فرصاً وامتيازاً للبيض وحرماناً لذوي البشرة الملونة".
وتستشهد المؤلفة بالكاتب تشارلز دبليو ميلز، صاحب كتاب "العقد العرقي"، حيث يذكر أنَّ التفوّق الأبيض هو "النظام السياسي غير المُسمّى الذي جعل العالَم الحديث على ما هو عليه اليوم"، في إشارة إلى أنَّ الاستثناء العنصري هو القاعدة، بينما تتحوّل المساواة في عالم اليوم إلى استثناء.
وبعد هذا كله، تفنّد ديانجلو الفكرة القائمة على أنَّ العنصريين هم الأشخاص السيئون فقط، أو أنَّ العنصرية هي فعل مباشر ضدّ فئة اجتماعية معيّنة. فبنية النظام الأميركي عنصرية وإقصائية، وإن اختلفت الخطابات واتّخذت أشكالاً ناعمة. وهذا ما يثير حفيظة البيض الذين تبوّؤوا مكانتهم في العالم بإلغائهم وقمعهم للآخرين، فهم يصرّون على أنَّ العنصري هو الفرد السيئ فقط، وبما أنّهم أشخاصٌ جيدون، فإن اتهامهم بالعنصرية هو تجنٍ عليهم، وفعل عنصري من الآخرين تجاههم. أمّا فيما يخصُّ ادعاءات عدم رؤية الفوارق العرقية لمن يصنفون أنفسهم بالتقدّميين، فتقول ديانجلو إنها آلية تملّص بيضاء من المسؤولية الاجتماعية، وإنكار لواقع معاناة الفئات الأخرى، خصوصاً السود.
وتنطلق الكاتبة من تجربتها الشخصية، حيت تعترف بأنها نالت بعض الامتيازات التي أثّرت على حياتها وعلى حياة الآخرين، كونها امرأة بيضاء، لافتةً الانتباه إلى أن المجتمعات البيضاء تعتبر أن رزمة الامتيازات والاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية حقٌ فطري لها: فـ"هشاشتهم البيضاء أساسها الدفاع عن هذه الرزمة وكأنها نتاج طبيعي، لا علاقة لها بالسياق التاريخي الذي أوجدها".
وعلى الرغم من أن الكتاب محاولة لتفكيك الواقع العنصري المسكوت عنه في أميركا والغرب، إضافة إلى أنه يدعو إلى إقامة حوار حول العنصرية البنيوية التي تحدد حياة مئات الملايين من البشر، فإن الكاتبة لم تسلم من الانتقادات اللاذعة من بعض الأسماء البارزة في نضالات العدالة الاجتماعية في أميركا.
* شاعر وصحافي من السعودية