غادر عالمنا، ظهر اليوم الجمعة، الشاعر العراقي البارز مظفّر النوّاب (1934 - 2022) بعد أن أنهكته سنوات المنافي ومعارضة الاستبداد، وبعد أن شيّد صرح الشعر طيلة حياته مُعذّباً ومتعباً. رحل "الشاعر الثوري" الذي نقل القصيدة العربية إلى عالم المواجهة السياسية ضد الطغاة وخلق منها عالماً رمزياً يحشد بالانتصار للمظلومين والمهمّشين وضحايا الأنظمة القمعية والفساد السياسي.
ونقلت "وكالة الأنباء العراقية" عن مدير عام دائرة الشؤون الثقافية في العراق، عارف الساعدي، أنّ النوّاب "توفى في مستشفى الشارقة التعليمي بالإمارات اليوم".
تمرّد، النواب الذي جرّب قساوة العيش منذ طفولته، على كلّ الأدبيات التقليدية، عاش الثورة مُبكّراً ما أدّى إلى سجنه على يد السلطات المَلَكيّة العراقية في مطالع خمسينيات القرن الماضي وتعريضه للتعذيب الشديد، قبل أن يسطع نجمه السياسي مع انقلاب عبد الكريم قاسم (1958) الذي دعم الشيوعيّين ومن بينهم الشاعر الراحل بطبيعة الحال.
ظلّ شعرهُ وفياً لصوت العروبة والقضية الفلسطينية التي كتب عنها كثيراً
لكنّ الأمر لم يدم طويلاً قبل أن ينالَ منه معترك الانقلابات العسكرية والتحالفات من جديد مع التجاذب الأيديولوجي في الستينيات. فحُكم عليه بالإعدام بعد الإطاحة بحُكم قاسم (1963)، لكنّه استطاع مغادرة العراق مرتحلاً بين عواصم عربية من دمشق إلى بيروت واليونان التي تعرّض فيها لمحاولة اغتيال عام 1981.
يُمثّل شعرُ النوّاب الصرخة القوية المحفوظة التي ردّدتها الشعوب الغاضبة عند كلّ منعطف ثوري، وهو الذي ظلّ وفياً لصوت العروبة والقضية الفلسطينية التي كتب عنها، بل صارت كتاباته مثالاً وشعاراً أُممياً، فكيف تُنسى "القدس عروس عروبتكم" أو "تلّ الزعتر" أو "المسلخ الدولي وباب الأبجدية" "ويوميات عروس الانتفاضة"؟
كما لامس بشعره عتبة مرهفة في تمثيله للحزن، وهو صورة عن حياة الشقاء التي ألمّت به؛ فكتب "بحّار البحارين" و"مرينا بكم حمد" و"بنفسج الضباب".
برحيل مظفّر النواب، نكون أمام مرحلة سياسيّة كبرى وموقف من الوجود والتحدّي الأبدي للطغيان، وليس أمام نهاية شكل من القصيدة فحسب. يودّعه اليوم المستضعفون والحزانى الذين كتب عنهم ولهم، والذين تراءى لهم في انتفاضاتهم وثوراتهم التي يُراد لها أن تُجهَض وتذوي ويأبى الشاعر إلّا أن يقيمَها من جديد بوحيه إذ يقول:
أين سيذهب من لا بيت له
ولا امرأة ولا وطناً؟
سبحانك مهما بلغ الطائر
يتعب من دون مطار.