يُشاركُني في مناجاتِكَ طائرٌ قَلِقٌ

16 فبراير 2022
من سلسلة "أحصنة" لـ مقبول فدا حسين (الهند)
+ الخط -

1

كُلَّما اشتقتُكَ تَرفَعُ مآذنُ لهفَتي نداءاتَها إليكَ
كُلَّما سَمعتُ اسمكَ تضجُّ كنائسُ قلبي بالنواقيسِ
كُلَّما أردتُ وصلكَ أُضيءُ ليلي بِشُعلةٍ من موقِدِ المعبد القريب
ثم على أطرافِ ولهي أمشي كي لا أُوقظ الموتى من النوم.

أستدلُّ عليكَ بالندى الذي يُوقظ الغصنَ من غفوتهِ
بالنهر، مرآتكَ التي لا تنكسر
بالشّمس، كُلَّما تَدلّت على صدر المحيط 
بخجل الغروب، كلّما أخرسَ الوصفَ
وصيّر الشرود لغةً وبلاغة.

أستدلُّ عليكَ بالنَّملةِ التي تحمل جبلًا
وتُدخله رغم أنفه إلى بيتها الصغير في الحديقةِ
أستدلُّ عليكَ بالريشةِ التي توازن العالم في عين النسر البعيد
بالنجومِ التي يفشلُ في إحصائها الوحيدُ من عُمق المغارة.

كُلَّما أسمع اسمكَ تقشعرُّ فلواتي
وتخضرّ. 


2

أنتَ القنديلُ الذي يُضيءُ في البعيدِ من الخرائبِ
كي يُؤنِسَ وحشَتَها،
وشُعلته التي بخفقَتِها
تؤدِّبُ الضّباعَ، فتُنصِتُ لها بحكمة.

أنتَ حيثما لمحوكَ من البعيد 
ساروا حفاةً على الشوكِ وهم يتحسَّسوه وردًا
وركضوا إليكَ حتّى أضاءوا
فصاروا حولكَ مدينةً من القناديل.

أنتَ، حيثُ الذي لا يَلمَحُ تَوَهُّجَكَ في الظلام
يظلُّ عالقًا في أقاصي العمى.


3

سهوًا نطقتُ اسمكَ حين تعثّرت،
كَأَنَّهُ صار بديلًا عن كلٍّ آهٍ
يُوقظها الألمُ فَزِعةً في الروح،
ومن بين صخرتين في الأعالي
جرى الماءُ غفلةً
كَأَنَّ اسمك ذَكَّرَهُ بأنَّ عليه الجَرَيان،
وفي الأعلى
ضَلَّت غيمةٌ طريقها
فاستهدت على رأسي
كأنَّها حين سمعتني انطقُك اطمأنَّت
فصار لها وطن.

 
4

تعرِفُ أنَّني شاردٌ إليكَ
من القَتَلَةِ الذين يجوبون أحلامي
وبيتي ومدينتي
مدينتي التي ترتعِشُ من صُورتها في سكاكينهم الحادّة
فهلّا حَمَلتَني على صاعقةٍ 
من تلك التي تَسرَحُ في براري سمائِك الواسعة
هلّا منحتني الهباء
وحملتَ ما تبقّى منّي إلى حيث تطلُّ على العالم البريء
ينابيعكُ البعيدة.
 

5

واقفٌ على باب المدينةِ للمرّة الأخيرة
أُودِّع سُكارى لا يفيقون
قِططًا تموء حزينةً
غريبٌ يلمّ شتاتَ وطنٍ في غطاءٍ من الصوف
وضوءٌ يغصّ بالظلمةِ والسكينة،
أترك الباب مفتوحًا
لأنَّ الموتى لا يُغادرون 
وأمضي لأكون حيًّا 
في الطريق إليك.


6

بِكسرَةِ مرآةٍ صغيرةٍ
تراقبُ امرأةٌ ظِلَّ وجعٍ يكبر على وجهها
فتحاول أن تمحوه كعادتها بتعويذةٍ مستعارةٍ من كتابٍ قديم.
 
يُفزِعُ ثَوبَها عِواءُ غريبٍ
 مَسَّتْ قَلبَهُ شوكةٌ في الظّلام
ويُقلِقُ غَفوتها غُرابٌ خبيثٌ 
إذ يقرعُ بابَ أحلامِها عائدًا من جنازةٍ  
ومخالبهِ مُترَبة.

من للوحيدةِ في ليل قريتكَ الموحشة 
إذ تصير الأشجار من خلف السِتارةِ
بضعَ نسوَةٍ ناشراتِ الشعورَ ويبكين،
إذ يستذئِبُ المَطَرُ الهاطِلُ من سماواتِكَ العالية،
فيخمشَ طينَ الغُرفَةِ ويَجرَحه،
إذ تمدّ الجذور أصابعها صاعدة،
وتعثرُ فَزّاعةٌ عند انقطاع البرق
 فتنزف قشّها في الريح.

بينما تنزوي خَلفَ صمتٍ يُصفِّر في أُذنها
كأنه يقول لها: اصرخي
أحدهم يُهَشِّمُ في الخارج جرَّةَ الماء.


7

يُشارِكُني في مناجاتِكَ
طائرٌ قَلِقٌ كأنَّهُ جابَ العالمَ كُلَّهُ وانزوى أخيرًا في صدري.

تشاركني حروبٌ يسقط كلُّ قتلاها مُضرَّجين باسمِكَ على سجدتي
وأعداءٌ لا يقتربون، لكنَّهم يَحومون في هدأة الليل حولي مثل الخفافيش
وأصدقاءٌ ينهشون لحمي ويرفعونه إليكَ عاليًا فلا تتقبَّله
فينهشون المزيد.

كلّما قُلتُ وصلتُ
يَقطَعُ طريقي إليكَ عاشقاتٌ ومومساتٌ ودراويش
كُلَّما صعدتُ سُلَّمًا تَشبَّثَ بي رهبانٌ وعبدةٌ وكلاب سبقت نباحها إليَّ. 

يا الذي في كلِّ مكانٍ 
ها أنا أُصَفِّفُ نداءاتي إليكَ في عيون الذئاب التي تقترب كأنَّها مسكونةً بالنّار
وأتسلَّقُ الأهوال لأنَّ الذي يمشي إليكَ لا يُفكِّرُ بالخطوة السابقة
يا الذي ... ها أنا أناجيكَ
جاثيًا 
بينما رماحٍ عطشى
تَشرَبُ من دمي.


* شاعر من العراق

دلالات
المساهمون