أفردت بلقيس مقدمة طويلة حول حياة أسرتها الأدبية، وخصوصاً اهتمامها الواضح بالشعر من خلال صالون والدها الأدبي محمد شرارة، رفقة بدر شاكر السيّاب ولميعة عباس عمارة ومحمد مهدي الجواهري ونازك الملائكة وأكرم الوتري وبلند الحيدري وغيرهم من الشعراء والأدباء العراقيين.
كان ذلك أيام المد القومي في المجتمع العراقي وصعود التيارات العسكرية التوتاليتارية التي حكمت البلاد أواسط أربعينيات القرن المنصرم. قدّمت شرارة خلالها صورة تشبه اللوحة التراجيدية حول الظروف التي عصفت بالعائلة، وبالسيّاب على حد سواء. إذ اعتقل كبار العائلة على خلفية مناهضتهم للاحتلال الإنجليزي، وتشرد بعضهم، واعتقل السيّاب الذي قال حينها في إحدى قصائده:
الموت في الشوارع
والعقم في المزارع
وكل ما نحبّه يموت
الماء قيّدوه في البيوت
وألهث الجداولَ الجفاف
[...]
أهذه مدينتي؟ جريحة القباب
فيها يهوذا أحمر الثياب
يسلّط الكلاب
على مهود إخوتي الصغار والبيوت
تأكل من لحومهم وفي القرى تموت
وفصل من الوظيفة الموكلة إليه بتعليم اللغة الإنجليزية في مدارس "الرمادي".
لم تغفل المقدمة عن تسليط الضوء على هامش من هوامش حياة السيّاب والجوانب الإنسانية فيها، إذ أشارت إلى تنافسيته العالية على ريادة الشعر مع "نازك الملائكة"، والصراع غير المعلن معها في القصائد، وولعه بالشاعرة لميعة عمارة التي اعتبرها كثيرون ملهمته الأولى وخصوصاً في مطلع قصيدته الأشهر:
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجذافُ وَهْناً ساعةَ السحر
ظهر السيّاب صاحب دواوين: "أساطير" (1950)، و"المومس العمياء" (1954)، و"الأسلحة والأطفال" (1955)، و"أنشودة المطر" (1960)، و"المعبد الغريق" (1962)، و"شناشيل ابنة الجلبي" (1964)، وغيرها في المقدمة نحيلاً وطويلاً ومفعماً بالنشاط والحساسية الوطنية تجاه عراق تلك الأيام وملتزماً بإنسانية الشاعر من خلال قصائده العذبة وصوته الأخاذ كما وصفته أثناء إلقائه للقصائد في مجالس أبيها الأدبية.
لم تنفصل رواياتها "إذا الأيام أغسقت" عن مقدمتها، إذ صورت الرواية المآلات المروّعة لانحسار الحريات، والقمع الذي عصف بالمجتمع العراقي، والتحولات الاجتماعية التي كثفت صور الفساد السياسي والاجتماعي، وانعكاس ذلك على النخب الثقافية حتى وقت قصير قبل احتلال العراق عام 2003.
* كاتب من فلسطين