صار من غير المجدي أن نردّد مقولة الأزمة، عند الحديث عن السينما العربية؛ لأن هذا الحال صار ثابتاً، والحقبة التي نحِنّ إليها ونقيس عليها ذهبت ولن ترجع. فالوجه الحالي للسينما العربية يفرض نفسه كفترة تاريخية بديلة لفترة سابقة، بل هي سيرورة تاريخية لها خصوصياتها وسماتها التي ستطبع المستقبل، وسط انتظارات لن تتحقق بعودة زمن سابق.
رغم كل شيء، تبدو السينما العربية مستعدة لقبول واقعها الجديد واستيعاب الشكل الذي أفرزه مخاضها الطويل، وإنْ على مضض.
فالرهان الآن بات على المهرجانات أكثر من غيرها، كنيّة غير معلنة جديدة تنازع الفيلم على سيادته كتعبير جمالي ساد لفترة، يعكس حال الشعوب العربية وواقعها. فقد شهدت الأشهر الأخيرة من العام الحالي تناوب مدن عدّة على تنظيم مهرجاناتها السنوية (القاهرة والإسكندرية في مصر، تطوان ومراكش في المغرب، أبو ظبي ودبي في الإمارات، وكذلك مهرجان الجزائر وقرطاج التونسي). ولكل بلد، بعيداً عن مهرجانه الأكبر، ملتقيات ومهرجانات أقل ضجة وحجماً واستقطاباً للأسماء.
رغم القيمة الكبرى لهذه المهرجانات، إلا أن تكدسها في مدة زمنية واحدة (ثلث السنة الأخير)، يعطي صورة حقيقية عن رؤية مشوّشة حول السينما. فانعدام التنسيق يؤكد أن القائمين على هذه المهرجانات ينافسون بعضهم في سباق محموم من أجل ريادة سينمائية لن تتحقق بهذا الشكل. والواقع أن هذا العام كشف أشياء جديدة، وذكَّر بأشياء أخرى عن هذه المهرجانات، التي تعاني وبعضها يسير في طريق بعيدة عن الأهداف التي أعلنها في بداياته.
فبعد المشاكل المعتادة لمهرجاني القاهرة والإسكندرية، جدد مهرجان مراكش معاداته لسينماه الوطنية والعربية، وحملت دورة هذه السنة سخطاً غير مسبوق للسينمائيين المغاربة الذين أجمعوا على عدم جدوى مهرجان فرنكفوني في بلدهم. أما مهرجان دبي، فأزمته المالية ساهمت في تغييرات جذرية مسته، ولكنه رغم ذلك ركز اهتمامه على السينما العربية.
على أي حال، إن تناسل المهرجانات حمل معه أشياء جيدة بالنسبة للفيلم العربي. فالعديد من الأفلام التي لا تدخل المنافسة في صالات السينما، بسبب عدم فتح أبوابها لها، لقلة الإقبال على مواضيعها، تتجه إلى المهرجانات وتجد فيها فرصاً للعرض. المهم في بعض هذه الأفلام أنها توثّق لفترة سياسية مهمة من تاريخ البلدان العربية. ولكن حياة أغلب الإنتاجات التي تنتمي إلى هذا السياق، تبقى مرتبطة بالمهرجانات التي تشارك فيها فقط، وليس هناك توزيع لها في سياقات أخرى.