تسجّل اللغة العربية حضوراً متزايداً، في السنوات الأخيرة، في مشهد الترجمة إلى اللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة، وتحقق مراكز متقدمة مقارنةً مع حركة الترجمة الكلاسيكية من اللغات الأوروبية، كالفرنسية والألمانية، والمستحدثة من اللغات الآسيوية، كالأردية والهندية والفارسية.
وبحسب تقرير أولي نشره موقع "ثري بيرسنت" الإلكتروني ـ وهو أحد مصادر الأدب العالمي في جامعة "روشستر" بنيويورك ـ في نهاية أيار/ مايو الماضي، حلّت اللغة العربية في المرتبة الرابعة عام 2013 في مجال الترجمات الأدبية والإبداعية إلى اللغة الإنجليزية، بعد الفرنسية والألمانية والإسبانية، متقدمةً بذلك على اللغات الروسية والصينية والسويدية واليايانية والبرتغالية.
وجاءت البيانات، بحسب الإحصائيات غير النهائية التي رصدت حوالي 450 كتاباً مترجماً، على النحو التالي: 93 عنواناً بالفرنسية و50 بالألمانية و46 بالإسبانية و30 بالعربية و23 بالإيطالية و22 بالروسية و19 بالصينية و18 بالسويدية و17 باليابانية و17 بالبرتغالية.
وأظهرت نتائج الدراسات التي أجريت خلال الأعوام الماضية عودة العربية إلى المنافسة على المراتب المتقدمة، حيث حلّت في المرتبة الرابعة عام 2009 بعد الإسبانية والفرنسية والألمانية، لكنها شهدت تأرجحاً وتراجعاً بعد ذلك، فحلت في المرتبة التاسعة عام 2012 بواقع 16 كتاباً مترجماً، وفي المرتبة الثامنة عام 2011 بواقع 24 كتاباً، وبالمرتبة السابعة عام 2010 بواقع 14 كتاباً.
ويرى متابعون في هذا الشأن أن الحجم السنوي للترجمات الصادرة لا يعكس حجم المنجز الأدبي والإبداعي العربي، وأنه على العكس يشكل نسبة ضئيلة لا تكاد تتجاوز 2 ـ 5 % من مجمل حركة النشر العربية، فضلاً عن عدم وجود ناظم معين، أو معايير ثابتة، لاختيار الأعمال المترجمة، التي تخضع في أغلب الأحيان للاهتمامات الأكاديمية لدى العديد من الجامعات الأميركية، مثل "جامعة ييل" في مدينة نيو هيفن بولاية كونّيتيكيت، و"جامعة سيراكيوز" في ولاية نيويورك، و"الجامعة الأميركية" في القاهرة أو اهتمامات دور النشر، مثل "مؤسسة بلومزبيري قطر".
ويكاد الاهتمام الجامعي والأكاديمي بترجمة الأعمال العربية يرقى إلى مستوى الظاهرة، مع أنه من العسير (والتعسف في آن) تصنيفها بأنها ظاهرة ثقافية تعكس فضولاً أو رغبة معرفية لدى الأميركيين في الاطلاع على الإبداع الأدبي عند العرب، مع الإشارة إلى تنافذ هذه الظاهرة وتداخلها، بشكل يكاد يكون عضوياً، مع ظاهرة ازدياد الاهتمام بتعليم اللغة العربية في مختلف الجامعات الأميركية التي افتتحت في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 أقساماً جامعية وجامعية عليا، وأطلقت برامج تعليمية وثقافية متعددة، بتمويل مشترك بين وزارات الخارجية والدفاع والتعليم.
وتأتي العربية في المرتبة الثامنة من ناحية استقطابها للطلبة الجامعيين في أميركا الذين تضاعفت أعدادهم بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير، على خلفية الهواجس الأمنية لدى الحكومة الأميركية التي دفعت الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش إلى إطلاق "مبادرة الأمن الوطني (لتعلّم) اللغات" في العام 2006 التي تضاعفت بموجبها أحجام التمويل للأقسام والبرامج التعليمية للغات الأجنبية، وعلى رأسها اللغة العربية.
وفي هذا السياق، كتب رئيس البرنامج العربي في "كلية هانتر" بنيويورك، المترجم كريستوفر ستون: "إنه لمن السذاجة النظر إلى هذا الاهتمام (الأميركي بتعليم العربية وآدابها) على أنه فضول ثقافي خالص".
وأضاف في مقال منشور على موقع "جدلية" الإلكتروني: "إنه لمن عدم الشعور بالمسؤولية تجاهل حقيقة أن الحكومة تموّل تعليم العربية إلى جانب لغات أخرى، من أجل استخدامها -ضمن أشياء عديدة- كسلاح".
وبغض النظر عن الأسباب التي تدفع الأميركيين إلى الاهتمام بالعربية، لغة وأدباً، يبقى ممكناً استثمار هذا الاهتمام وتصويب وجهته وتعميق دوره في خلخلة التصورات الغربية النمطية عن العرب، شعوباً وثقافةً، عبر العمل على توسيع الشقوق في "المنظومة الثقافية الاستشراقية" التي لا تزال مُعتمَدة كحوامل أساسية في الخطاب الأميركي، السياسي والإعلامي.