في إطار سلسلة محاضرات تعريفية بأبرز مفكري القرن العشرين، تقدمها شهرياً مجموعة من الباحثين المصريين في "نادي الكابينة" في الإسكندرية، أقيمت، الأربعاء الماضي، ندوة حول أعمال الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز (1925 - 1995) وطروحاته الأساسية، قدّمها الباحث في علم الاجتماع السياسي علي الرّجال.
مدخل الرجّال إلى مشروع دولوز وأفكاره كان من باب ضرورة التعريف بفيلسوف مثله في وقتنا هذا، نظراً إلى مكانته كأحد أهم المفاصل الفلسفية في النصف الثاني من القرن العشرين. وكما هو معروف، فقد سبق لزميله، الفرنسي الآخر، ميشيل فوكو، أن تنبأ، بعد إصدار دولوز كتابيه "الاختلاف والتكرار" و"منطق المعنى"، بأن "القرن العشرين سيكون قرناً دولوزياً"، للناحية الفلسفية.
ورأى الرجال أن نصوص دولوز، الذي ألقى بنفسه من نافذة بيته بعد صراع مع المرض، تتسم بالسيولة التي تجعل الكثيرين يوجهون إليه الاتهامات. وضرب مثالاً على ذلك في اتهام الماركسيين له بأنه جزء من الرأسمالية العالمية الجديدة، لأنه لم يطرح فكرة بديلة عن الماركسية يمكن الإمساك بها.
وفي هذا الإطار، عرض الباحث الأطروحة الأهم في هذا الكتاب، وهي "إبداع المفاهيم"، المستقاة أساساً من جملة نيتشه: "لا ينبغي على الفلاسفة أن يرضوا بقبول المفاهيم التي نعطيها لهم، وذلك بتنظيفها وتلميعها، بل عليهم خلقها من جديد وإقناع الناس بها". إذ لم تعد الفلسفة، بالنسبة لدولوز، مجرد معرفة "المبادئ الأولى" التي يدخل إليها الفيلسوف بمعارف مسبقة، لأن التجربة، بالنسبة إلى الفيلسوف الفرنسي، هي مفتاح التجدد دائماً.
أعاد دولوز في كتابه "تاريخ الفلسفة" قراءة بعض الفلاسفة، مثل نيتشه وبرغسون وسبينوزا وفوكو. وكان الهدف من هذه القراءة الدولوزية، في نظر الباحث، هو إعادة النظر في المفاهيم التي عرضها هؤلاء الفلاسفة، وإظهار نسبيتها، أو الدخول إلى المفاهيم التي يطرحها فيلسوف ما من مداخل أخرى.
وهذا ما فعله دولوز في قراءته برغسون الذي تعاملت معه أغلب الأكاديميات العالمية من جانب صوفي، بينما كانت قراءة دولوز له ماديةً، أدت إلى نتائج مختلفة. وقد اكتشف فوكو، كما يقول الباحث، نفسه بشكل آخر، بعدما قدّم الأخير قراءة عنه، معتبراً قراءات دولوز بمثابة النصوص الموازية لنصوصه. وجدير بالذكر، في هذا المقام، أن لدولوز مشاركة مهمة، مع زميله فوكو، في حركة أيار/ مايو 1968 الطلابية في فرنسا.
ورأى الباحث أن دولوز رفض أن يكون "التأمل" هو الفارق الوحيد بين الفلسفة وبين بقية العلوم الأخرى، لأن التأمل تجربة ميتافيزيقية تؤدي إلى البعد عن الواقع، الذي يرى دولوز ضرورة الاشتباك معه.
وكان دولوز اعتمد في كتاباته الفلسفية، كما يذكّر الباحث، على النظريات العلمية، الفيزيائية والكيميائية والجيولوجية، كما دعا إلى ضرورة الاستفادة من الإبداعات الفنية التي أحدثها المسرح والرواية والموسيقى والسينما.