في الـ 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مرّت خمسون سنةً كاملةً على اختطاف، المهدي بن بركة، في العاصمة الفرنسية، من دون العثور على جثّته إلى يومنا هذا. مناسبةٌ التقى فيها كتّاب وباحثون في بنسليمان، شرق مدينة الدار البيضاء، لاستذكار الشخصية النضالية والفكرية التي مثلها.
اللقاء الذي أداره عبد الرحمان غانمي، وشارك فيه شعيب حليفي ومصطفى بن الصباحية ورحال عبوبي وشريشي لمعاشي، دعا إليه "نادي القلم" في المدينة، بهدف "التذكير بانتماء المثقّف المغربي إلى أفق التغيير والحداثة والتعبير عن ارتباطه بقضايا مجتمعه، وإلى سلالة المفكّرين المتنوّرين الذين رفضوا الاستبداد والاستسلام".
المشاركون في اللقاء أكّدوا ضرورة تمثّل فكر بن بركة وممارسته السياسية في المجال المغربي والعالمي، معتبرين أن "فكر صاحب "الاختيار الثوري في المغرب" حاضرٌ بقوّة في المجتمع، دون أن تتمكّن كل العوامل القامعة أن تجتثه، بل تقوّى وتطوّر وامتدّ مع رموز الثقافة المغربية".
في رسالة لنجل الراحل، قرأها رئيس "نادي القلم"، شعيب حليفي، أكّد البشير بن بركة أن مسار والده "النضالي متجذّر في الواقع الاجتماعي والتاريخي للبادية والفلاحين والأحياء الشعبية بالمدن. وهو فكر أيضا، اتسم ببعده العالمي في صراعه ضد الرجعية والنيوكولونيالية والإمبريالية والصهيونية"، مضيفا أن "هؤلاء جميعاً تآمروا لتنفيذ الاختطاف والاختفاء".
واعتبر بن بركة أن "استحضاره في لقاء بنسليمان، هو تعبير من المثقّفين المغاربة عن رسوخ القناعة بحياة أفضل، لأنه عبر رموز الفكر والنضال، يتلمّسون الوفاء لكل الأفكار المضيئة. على أن استحضار فكر المهدي بن بركة، في ذكرى اختطافه، هو تعبير متجدّد على أن الموقع الحقيقي للمثقّف هو النقد والبناء، لا الانبطاح والخنوع".
إضافة إلى فكر بن بركة، كان اللقاء فرصة كذلك للتعبير الإبداعي، بقراءات للشعراء إدريس الملياني وعبد السلام مصباح ومصطفى عزلاني، ثم مشاركات زجلية لعبد الرحيم لقلع وعزيز غالي وبوعزة الصنعاوي.
من جهة أخرى، بادر عدد من زملاء بن بركة إلى إحياء خمسينية اختفائه، بتنظيم ندوة دولية في الرباط، بادر إليها رفيقه، الوزير الأوّل في حكومة التناوب، عبد الرحمان اليوسفي.
توجّه اليوسفي بنداء "للدولة المغربية وللدول التي شاركت في الجريمة أو وقعت تحت ترابها أن تكشف عن الحقيقة التي تعرفها عن قضية المهدي بن بركة من أجل الحقيقة في حد ذاتها، ومن أجل وضع حد لجنازة تستمر 50 سنة".
أمّا أبرز ما جرى في الندوة، فهو رسالة للعاهل المغربي، محمد السادس، التي تلاها اليوسفي نفسه، جاء فيها أن "بن بركة دخل التاريخ، وأن التاريخ هو ذاكرة شعب بأكمله"، وأن "أعداء المغرب قاموا باستغلال القضية للإساءة لصورة البلاد"، داعيًا إلى "استخلاص الدروس والعبر من قضية بن بركة، وجعلها في صالح الوطن".
لكن، عائلة بن بركة بدت غير مقتنعة بما ورد في الرسالة، مؤكّدة أن ما تتطلّع إليه هو معرفة حقيقة اختفائه ومصير جثمانه. وقال ابنه، في ندوة "نادي القلم" إن "لم تتضمن تعليمات ضرورية من شأنها أن تكشف عن حقيقة اختفاء بن بركة".
جدير بالذكر أن فرنسا فتحت تحقيقين حول القضية التي توصف بأشهر لغز في تاريخ المغرب الحديث اتهمت فيه المخابرات المغربية والفرنسية وإسرائيل؛ بينما لم يفتح المغرب أيّ تحقيق حولها، رغم أن زملاء بن بركة في "حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" تولوا حقيبة وزارة العدل وترأسوا آخر حكومة في عهد الملك الحسن الثاني.
اقرأ أيضاً: ذكرى رحيل الجابري: مواجهة مستمرة مع العروي