لا تختلف آليات عمل الجوائز الثقافية العربية عن بعضها كثيراً، فغالبيتها ذات مزاج رسمي حكومي، مرتبطة بمنظومة مصالح المشتغلين في الحقل الثقافي، إذ نعثر على أسماء كثيرة من لجان تلك الجوائز، تتنقل للتحكيم بين جائزة وأخرى.
"جائزة محمود درويش للحرية والإبداع" ليست استثناءً كما كنا نتمنى. يتأكد هذا الأمر مع كل دورة جديدة من دورات الجائزة التي انطلقت من رام الله عام 2010. ولمسناه من جديد، أول أمس، مع إعلان "مؤسسة محمود درويش" في رام الله عن الفائزين بجائزتها، إذ منحتها لكل من القاص السوري زكريا تامر والمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد.
لا حيثيات واضحة لاختيار الفائزين وتبدو الجائزة - إذا نظرنا إلى نتائجها في خمس سنوات - بلا معايير أو حتى مفهوم (concept) يصنع لها هوية تميّزها وتقنع الجمهور بخياراتها، إذ لا يبدو واضحاً على سبيل المثال إن كانت جائزة تمنح لمنجز العمر أم لراهن الإبداع، وهل صداقة الشاعر الراحل من بعض شروط الفوز بها (كما لاحظنا في سنواتها الأولى بشكل خاص).
في عام 2010 كان الكاتب الفلسطيني محمود شقير منسقاً عاماً لجائزة محمود درويش، وفي عام 2011 فاز بالجائزة وفي عام 2013 عاد إلى لجنة تحكيمها. شقير برأينا جدير بالفوز، لكن حركته في الجائزة، بين منسّق وفائز ومحكِّم، تشير إلى عدم اتخاذ الجائزة المسافة الموضوعية الضرورية.
أما لو نظرنا إلى الأعضاء العرب في لجان تحكيم "جائزة محمود درويش للحرية والإبداع" فسيطالعنا اسم جابر عصفور في عاميها الأولين 2010 و2011. وإلى جانب آخر وزير ثقافة في زمن مبارك (تولاها أثناء قتل المتظاهرين) وأول وزير ثقافة للسيسي (بعد انقلاب العسكر)، نجد عام 2011 اسم وزير الثقافة الأردني ورئيس الديوان الملكي الأسبق خالد الكركي والذي يتكرر أيضاً عام 2012. اختيار المؤسسة للجان التحكيم يعطي فكرة أيضاً عن سياستها وتوجهاتها.
أما هذا العام فلم تكلّف المؤسسة نفسها عناء إصدار بيان يعلن أسماء أعضاء لجنة التحكيم، كما اكتفت بكلمات الحفل دون بيان رسمي حول حيثيات الفوز. وعندما حاولنا البحث لم نستطع أن نعرف سوى أن الناقد الفلسطيني فيصل دراج هو رئيسها كما في كل السنوات الماضية.
ندخل إلى الموقع الإلكتروني للمؤسسة، فلا نجد أي معلومات متعلقة بالدورة الأخيرة للجائزة، ونجد أن آخر تحديث للموقع كان قبل عامين، وعند الدخول إلى صفحة مجلسها التنفيذي نجد أن معظمهم من المسؤولين السابقين في السلطة وبعض الشخصيات "الاعتبارية".
أنشئت مؤسسة "محمود درويش" بمرسوم رئاسي عام 2008، بعد رحيل الشاعر، وياسر عبد ربه هو رئيسها وصاحب القرار فيها وزوجته الكاتبة ليانة بدر عضو في مجلسها التنفيذي.
صحيح أن هناك مؤسسة وجائزة وهذا أمر إيجابي، ولكن الصحيح أيضاً أنها مؤسسة رسمية أكثر مما يجب، وأن جائزة محمود درويش تكاد تصبح جائزة حكومية - بالمعنى العربي الرسمي للكلمة - عوضاً عن مشاركتها في تأسيس ثقافة وطنية تتمتع بمصداقية وقادرة على تحمّل مسؤولياتها الجمّة.
* كاتب وموسيقي من فلسطين