يقول شاعر إسباني: "ليست هناك طريق معبّدة للمشي. نحن من يصنع الطريق". وحينما حاول المسرح الأمازيغي أن يعبّد طريقه للخطو في الساحة الثقافية المغربية، هاجمه كثيرون، محاولين قطع السبل عليه باعتباره ضعيفاً فنياً، وهناك من ذهب إلى إنكار وجوده أصلاً.
المدافعون قالوا إن المسرح الأمازيغي سبق الأشكال المسرحية المغربية الأخرى بقرون كثيرة، مع مجموعة من الشخصيات المسرحية في شمال أفريقيا، ولا سيما المسرحي الأمازيغي الليبي، ترنيوس آفر، الذي كتب في عهد الرومان ست مسرحيات تراجيدية وكوميدية، وأبوليوس (أفولاي بالأمازيغية) النوميدي، صاحب رواية "الحمار الذهبي" الذي قدّم عروضاً كثيرة على مسرح قرطاج في تونس.
يقول الباحث في "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية"، فؤاد أزروال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المسرح الأمازيغي "واقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله، بل أصبح جزءاً أساسياً وعاملاً فنياً فاعلاً في تنشيط الحركة المسرحية، وفي إثراء ممارستها في البلاد".
غير أن هذا الشكل المسرحي، بحسب مدير "مهرجان الدار البيضاء الاحترافي للمسرح الأمازيغي"، خالد بويشو: "يفتقر إلى نقد موضوعي من الأساس، بحكم أن معظم الأقلام الناقدة لا تواكب تجارب هذا المسرح، كما لا تُولي الاهتمام اللازم لفعاليات المسرح المغربي عموماً، سواء كان ناطقاً بالدارجة أو الفصحى". ويردف بويشو: "المطلوب من النقّاد أن يطّلعوا على التجارب المسرحية الأمازيغية المحترفة منها والهاوية، فهم يضعون البَيض كله في سلّة واحدة.
خطأ معظم النقاد، أنّهم غير مطلعين، أو منهم من شاهد تجربة ما فقام بتعميم أحكامه القيمية على التجارب كلّها، وهذا لا يستقيم من وجهة النظر العلمية والأكاديمية".
تجاوزاً للغة الإنكار والإثبات هذه، يرى أزروال أن المسرح الأمازيغي يتميز بكونه مسرحاً مناضلاً، ويحسّ بثقل كبير إزاء مسؤوليته في المساهمة في الرقي بالثقافة الأمازيغية والنهوض بها. ويضيف أنه يرتبط بالإنسان المغربي في المناطق النائية والمهمّشة من البوادي والمدن، وبالتراث الذي يحاول أن يستفيد منه أكثر ما يُمكن على المستويين الفني أو التعبيري من الفرجات الشعبية والتراث الشفهي الأمازيغي، وما يزخر به من فنون الرقص والغناء والأدب.
من جانبه، يرى بويشو أنه إذا كانت الممارسة المسرحية الأمازيغية، إلى حدود أواخر القرن الماضي، مقرونة بما هو نضالي، فإنها خلال العقد الأخير تفوّقت على نفسها وعلى المعيقات، لترسم خطاً واضحاً ومتكاملاً فنياً وتقنياً.
كما أن المسرح الأمازيغي، يردف بويشو، ليس واحداً بل مدارس وتجارب متعدّدة، فهناك الكلاسيكي، وما هو تجريبي، وغيرهما... والتميز يتجلى في الألسن الأمازيغية التي تختلف من منطقة سوس، إلى منطقة الريف، مروراً بمنطقة الأطلس المتوسط، وبالتالي تنعكس العادات والتقاليد الجهوية وخصوصياتها على هذا الشكل المسرحي.
إذا كان المسرح الأمازيغي هو هذا الجزء من المسرح المغربي، الذي ينطق بالأمازيغية، ويعالج القضايا المرتبطة بالإنسان والمجتمع الأمازيغيين، ويعكس الانشغالات والاهتمامات العامة في الثقافة الأمازيغية، فإنّ مسيرته من الهواية، التي شهدت ولادته، إلى الاحتراف الذي ظلّ ضعيفاً، أصبحت مدار نقاش وسط المشهد الثقافي والفني المغربي.
بهذا الخصوص، يوضح أزروال: "في ما يخصّ ضعفه، يمكن النظر إليه من زاويتين؛ الأولى أنه لا يزال في مراحل نموه الأولى، ومن ثمّ لا بدّ أن يسمه بعض الضعف، كما في سائر كل التجارب الإنسانية في بداياتها، وكما في كل الممارسات المسرحية لدى كل الأمم. والثانية أن قسطاً كبيراً من ضعفه هذا، هو من جوانب ضعف المسرح المغربي عامة، باعتباره جزءاً منه".
ويشير أزروال، أيضاً، إلى أنّه من العدل القول إن تجربة المسرح الأمازيغي قدّمت العديد من الأعمال المميزة والراقية التي استطاعت أن تحصل على العديد من الجوائز الوطنية، وقدمت بعض التصوّرات والاختيارات الفنية الجديدة التي أغنت المنجز والتجربة المسرحية المغربية، التي أصبحت في السنوات الأخيرة، منتظمة ومنتجة أكثر ممّا سبق، بحيث تهيكلت الفِرق وتوسّعت في إعداد مشاريعها وخططها الفنية، كما تخصص العديد من الممارسين في التشخيص والإخراج وباقي المجالات. بفضل هذا كله ارتقى المسرح الأمازيغي، إلى مستوى من الاحترافية.
ويتفق معه مدير "مهرجان الدار البيضاء الاحترافي للمسرح الأمازيغي"، بويشو، إضافة إلى هذا، على أن الدعم الذي تقدّمه وزارة الثقافة في المغرب لبعض الفِرق المسرحية الأمازيغية دليل على احترافيتها، وإن كان هذا الدّعم غير كاف، إلا أنّ له يداً بيضاء على هذا المسرح.
بدوره، يختم أزروال قائلاً إن "المشاريع المسرحية الأمازيغية، أصبحت أكثر مصداقية وقدرة على التنافس، وأصبحت تعالج في إطارها الوطني، وتحصل العديد منها على مختلف أنواع الدّعم".