استنكار متأخرٌ أعلنته "الهيئة العامة للآثار والتراث" العراقية، في بيان لها صدر منذ أيام، بسبب "إقدام صاحب "مكتبة مكنزي" في شارع الرشيد في بغداد على تغيير معالمها وتحويل عملها إلى مهنة أخرى"، إذ إن المكتبة قد اُغلقت منذ سنين طويلة ولم تقم أي جهة رسمية بمحاولة إعادة افتتاحها.
ذكرّت الهيئة أن "مكنزي مصنّفة منذ عام 2002 موقع تراثي، ولا يجوز تغيير الصفة الوظيفية للمكتبة إلا بموافقة السلطة الآثارية، فلا يجوز هدمها أو إلغاء وظيفتها الأساسية التي منحتها الصفة التراثية"، معتبرة ما حدث بأنه "هجمة شرسة على المكتبة من أجل تغيير كينونتها وطمس معالمها الحضارية".
تُظهر صور المكتبة التي يتناقلها ناشطون عراقيون عبر وسائط التواصل الاجتماعي بأنها مغلقة منذ أكثر من عشرين عاماً، ولم تقم المؤسسة الرسمية بغير منح الصفة التراثية للمكان من دون توفير حماية لها أو تقديم مبادرة لإنقاذه، بل إن بعض الصور التي التقطت في مطلع 2016 تكشف عن تحويل المكتبة إلى محل بيع للملابس وبديكورات جديدة.
تختزل "مكنزي" سيرة القراءة في العاصمة العراقية لأكثر من 90 عاماً، فالمكتبة التي أسّسها الأسكتلندي المهتمّ بتاريخ العراق كينيث مكنزي عام 1924، كانت أشبه بمكتبة حكومية باستقلال إداري ومالي، حيث أرادت الحكومة العراقية إبان الاحتلال البريطاني، آنذاك، توفير مكتبة تُقدّم إصدارات أجنبية تتنوّع بين الكتب المدرسية والعلمية، إضافة إلى الكتب المختصّة بالرحلات والتراث العربي وغيرها.
رحل صاحبها بعد تأسيسها بقليل، ليتسلمّها بعد ذلك شقيق زوجته دونالد مكنزي الذي بقي يعمل بها حتى رحيله هو الآخر عام 1946، ليرثها كريم وهو عراقي عمل مع السيدين مكنزي وتلقّب بلقبهما، وورث عنهما المكتبة التي تخصّصت بالكتب الأكاديمية الأجنبية في فترة ازدهار الجامعات في العراق، واستمرّ في العمل فيها حتى فارق الحياة في سبعينيات القرن الماضي ليتسلمها منه مساعده إسكندر الذي أورثها لابنتيه.
تراجعت المكتبة منذ الثمانينيات، نتيجة ارتفاع أسعار الكتاب الأجنبي، وربما لم يلحظ أحد ذلك اليوم الذي أغلقت فيه المكتبة أبوابها في التسعينيات، غالباً، شانها شأن محلات قديمة كثيرة في سنوات الحصار الذي فُرض على العراق (1991 -2003)، وحتى بعد احتلال بغداد لم تبادر السلطات الجديدة إلى تقديم مشروع يحفظ المباني التراثية في المدينة.