لا تزال خلطة الأدب والتاريخ التي يقدّمها الكاتب اللبناني أمين معلوف ناجحة، خصوصاً وقد عرف صاحب "سمرقند" كيف ينوّع مقاماتها ويطوّرها على مدى قرابة ثلاثة عقود من الإنتاج.
يظلّ ذلك المجال الذي يحتكّ فيه تاريخا الغرب والشرق المجال المفضّل لتحرّك أعمال معلوف، سواء الروائية أو الفكرية. فبعد شخصيات ليون الإفريقي وبالداسار ومخطوط رباعيات الخيام، يجعل الكاتب اللبناني من نفسه ذلك العنصر الذي تلتقي فيهما الحضارتان، ففي آخر أعماله "كرسي أمام نهر السين: أربعة قرون من تاريخ فرنسا" يرسم سيرة كرسي الأكاديمية الفرنسية الذي يشغله اليوم. يقدّم معلوف هذا الكتاب غداً صباحاً في مكتبة "ديفان" في باريس.
من خلال 18 شخصية تداولت على هذا الكرسي منذ 1634، يعيد معلوف سرد تاريخ فرنسا متوقّفاً عند محطّاته الكبرى، والتي كثيراً ما وازتها متغيّرات في تركيبة الأكاديمية.
يوحي العنوان بالزاوية التي يأخذها معلوف من الأحداث، إذ يقف في موقع المتفرّج الذي يسجّل ملاحظات أمام حركة مرور المياه في نهر متدفق. موقع قد يُؤخذ على سلبياته من باب القول بالجلوس في "البرج العاجي" للمنتسبين في الأكاديمية، كما يؤخذ من زاوية إيجابية باعتبار أن "تعالي" الأكاديميين هو الذي يمنح رؤية للأحداث تخوّل الوصول إلى نتائج موضوعية.
الأكاديمية هي أيضاً مجتمع له تحوّلاته، فأعضاؤها الأربعون، المختارون بعناية، هم سرديات قائمة بذاتها، يتقاطعون مع الحياة اليومية في الوقت نفسه الذي يتقاطعون فيه مع السياق الكبير للأحداث؛ إذ غالباً ما كانوا في مواقع القرار، سواء في بلاط أسرة البوربون أو في مجالس التمثيل النيابي في الجمهوريات الفرنسية المتعاقبة.
اقرأ أيضاً: ليون الأفريقي من كتب التاريخ إلى مواقع التواصل