ابتداءً بالقائمة الطويلة، مروراً بالقائمة القصيرة المكوّنة من ست روايات فقط، وانتهاءً بالفائز النهائي، تبدو انشغالات الساحة الأدبية متركزة هذه الأيام على الجائزة العربية للرواية "بوكر"؛ انشغالات يذهب بعضها إلى كيل المديح للفائز بالجائزة على الطريقة العربية في الاحتفاء، في حين ذهب بعض آخر إلى إحداث تلك المراجعة النقدية للعمل الفائز وللجائزة نفسها بما تنطوي عليه من آليات اختيار الأعمال والقائمين عليها وسياسات الجهة المانحة للجائزة، في حين تبقى دور النشر، تخطّط للدورة القادمة واحتمالية الاستئثار بأي حصة محتملة.
بمنح الجائزة لرواية "مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة" ("المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، 2015)، للكاتب الفلسطيني ربعي المدهون، تكون الجائزة قد أسدلت الستار عن نسختها الأخيرة، مشرّعة معها الكثير من الأسئلة والملاحظات على وظيفية الجائزة، وأنماط إنتاجها، في حين ذهبت أبرز النقاشات التي دارت حول الرواية الفائزة حول استدخالها موضوعة الهولوكوست اليهودي في سياق النكبة الفلسطينية، بالإضافة إلى نقاشات كثيرة، أخذ معظمها شكل التساؤل حول بعض الأخطاء/ المغالطات الجغرافية والتاريخية التي وردت فيها، ومواقف اللجنة منها.
لعل اللافت في هذه الجائزة المستجدة على الساحة الأدبية العربية، منذ العام 2008، تحديداً، هو محافظتها على الأنماط الأدبية السائدة بل وتشجيعها، من دون خلخلة أو اقتراحٍ لنموذج روائي حداثي جديد، ما يجعل من التكهّن بالوظيفة المنوطة بالجائزة أمراً يسيراً.
ففي الوقت الذي يتعدّى مَنح الجائزة لعمل معيّن باعتباره موقفاً احتفائياً منها فقط، فإنه ينظر إلى هذا النوع من الجوائز على أنه علامة فارقة في المسيرة الروائية، الأمر الذي تبدو فيه لجان تحكيم البوكر مصرّة على تقديم جائزة منزوعة القدرة على إحداث ذلك كله.
وفي إطار ما سبق، يبدو التساؤل ملحاً حول أهمية ذلك الكم الهائل من الجوائز التي تتضخّم قيمتها أو تصغر بالنظر إلى حجم المردود المالي المأمول منها أو حجم حركة البيع والترجمة والترويج كمحصّل نهائي لها، بالمقارنة مع مسيرة الرواية كلها كمنتج أدبي بدأت مخاوف جدّية تظهر إزاء عبوره ذلك النفق الطويل الذي عبره من قبلها الشعر نتيجة للاستسهال والافتقار إلى الجدية. لا نجد إجابة واضحة أو محدّدة هنا.
فمن جهة، لا تتورّع الجهات القائمة على الجائزة، هي ومثيلاتها، عن الإفصاح عن النوايا التجارية، نوايا يكاد يختلط فيها حابل المقاصد الجوهرية للأدب، في إحداث ذاك الوعي الجديد الهادف إلى الصعود بالقارئ إلى الحساسية الإنسانية العالية، بنابل التوجّه التجاري الذي يجري فيه إعلاء ماكينة رأس المال العالمي على حساب أي شيء، بغضّ النظر عن المضامين والرسائل والجودة.
ومن جهة أخرى، لنصارح أنفسنا بأن هذا النوع من الجوائز يمثّل مَخرجاً مهماً لضآلة الفرص أمام عولمة الأدب العربي أو نقله إلى "العالمية"، إن صح التعبير، وهو المدخل ذاته الذي يثير قلق ومخاوف شريحة واسعة من الحريصين على وصول منتج عربي أصيل، ويستحق، إلى أكبر مساحة ممكنة من العالم.
في المحصلة، لا تبدو الجوائز، والبوكر واحدة منها، متورّطة إلى الحد الذي يمكن من خلاله اتهامها بكل ذلك بهذه السهولة المتخيّلة، لكن البوكر، مثل مثيلاتها أيضاً، تبدو مسؤولة أمام جمهور من المحبطين إزاء تكرار المزاج الأدبي في بعض الأعمال، وخلوّها من "الثورية" التي تستحق الأعمال أن تمنح الجوائز لأجلها.