ما لم يقله البيان كان الوسط الثقافي في مصر يتداوله منذ أشهر، خصوصاً مع تأخر أعدادها الثلاثة الأخيرة عن موعدها، وخروج العدد الأخير بأخطاء في الطباعة. ثمة تعنّت واضح ومجهول الأسباب من "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، منذ أن تسلّم حلمي النمنم رئاستها، وتفاقم التضييق بعد أن صار الرجل على كرسي وزارة الثقافة.
كانت المجلّة أُعيدت مرة أخرى إلى الحياة في كانون الثاني/ يناير 2015 برئاسة تحرير محمد شعير وبإدارة تحرير أحمد شافعي وأمير زكي، فيما تولى الفنان أحمد اللبّاد الإدارة الفنية للمجلة. أخذت المطبوعة مكانها سريعاً ومن أول أعدادها كمجلة ثقافية جديرة بالمتابعة، تختص بمناقشة جديد الكتب في مصر والعالم، وتفتح أبوابها لكتابات عربية وعالمية، ونفدت نسخها فور صدورها، رغم سوء توزيع الهيئة لها.
مع ذلك فقد تم التضييق على فريقها لجهة مواد الطباعة من ورق وخلافه ثم إصدارها بشكل سيئ وبألوان رديئة. يشرح محمد شعير في حديثه إلى "العربي الجديد" أسباب استقالة هيئة تحرير المجلّة: "قرر النمنم طباعة المجلة في مطابع الهيئة، بعد أن كان اتفاقنا المسبق مع الرئيس السابق للهيئة الدكتور أحمد مجاهد أن نطبعها في مطابع أخرى ضماناً للجودة وتوفيراً لنفقات الطباعة داخل الهيئة". ويتابع: "تمّ تأخير العدد الأخير لأكثر من شهر بحجة غياب الورق، ولما طُبعت أخيراً أُودعت مخازن الهيئة شهراً آخر قبل أن تخرج إلى الأسواق".
لا يجد شعير أسباباً واضحة لهذا السلوك سوى تعنّت غير مبرر، زاد مع الرئيس الحالي للهيئة هيثم الحاج علي، "قدّمنا خلال الأشهر الماضية ثلاث مذكرات للرئيس الحالي، نشرح فيها المشاكل التي تواجهنا، إضافة إلى مقترحات لتحسين جودة المجلة، ولم نحصل منه على إجابة" يقول شعير.
المفارقة أن النمنم، أصدر بعد ثورة يناير، كتاباً بعنوان "الحسبة وحرية التعبير"، خصّصه للقضايا التي واجهها الكتّاب في مصر، تحت وطأة دعاوى دينية أو سياسية تقام للنيل منهم وللتضييق على كتاباتهم. صحيح أن علاقة النمنم بهيئة تحرير "عالم الكتاب" لا تشير لخصومات سياسية مهنياً، فالمجلة معنية بالشأن الثقافي فقط، لكن العدد الأخير منها خصّص ملفاً كاملاً لأدب خدش الحياء أو "الأدب المكشوف"، نوقشت فيه قضية إحالة الروائي أحمد ناجي للمحاكمة متهماً بإثارة الغرائز وسجنه لاحقاً. القضية التي لم يعلّق عليها النمنم إلا بملاحظة هامشية حول الشهرة التي حقّقها ناجي بسبب قضيته، ولم يتحرّك وزير الثقافة للدفاع عن حبس المبدعين أو التقدّم بقانون يمنع تكرار ذلك.
ومع التضييق أكثر وأكثر على "عالم الكتاب" بدا لفريقها أن عليه الاعتذار عن عدم المواصلة، بعد خمسة أشهر من الانتظار ريثما يتمّ النظر في مطالب بديهية مثل توفير مكان لهيئة التحرير وأدوات للعمل "كنا نعدّ المجلة من منازلنا، ثم نرسلها كنسخة رقمية على قرص مضغوط (CD) للهيئة لطباعتها" يوضح شعير.
يشير البعض إلى أن مواصلة الوزير للتضييق على فريق المجلة كان دافعه الرغبة في ألّا يضطر لمواجهة عموم المثقفين كوزير يقيل محررين جعلوا من مجلة رسمية فقيرة واحدة من أفضل المجلات الثقافية العربية في وقت قصير. شعير ختم كلامه بالقول إن هيئة التحرير كانت تأمل في أن تجد اللجان التي أعدتها الهيئة لهيكلة النشر فيها، حلولاً لمشاكل المجلّة، مضيفاً: "لكن يبدو ألا أحد لديه الرغبة لا في الحل ولا في الاستماع إلينا أصلاً. هذه مؤسسات حريصة على فكرة الرداءة".
تذكّر الظروف التي تمر بها مجلة "عالم الكتاب" بعدد لا بأس به من المجلات الثقافية التي توقفت لأسباب عديدة، كان من بينها التضييق عليها وعلى فريق تحريرها. من أهم هذه المجلات، "الكاتب"، التي استمرت لخمسة عشر عاماً بين الستينيات والسبعينيات، والتي وُصفت آنذاك بأنها إحدى المجلات الطليعية في الوطن العربي وصاحبة الصوت التقدّمي. إلا أن يوسف السباعي، الذي كان مقرّباً من السادات، تولّى حقيبة وزارة الثقافة، وبدأ معه زمن الانقلاب على كل الميراث القومي الثقافي الذي تأسس مع نظام عبد الناصر وهو الخط الذي كانت تتبناه المجلة، لم يألُ الرجل جهداً في محاصرة المجلة بدءاً من حرمانها من دعم الوزارة المادي، ثم لاحقا بصدور قرار بإغلاقها نهائياً.