فتوى الشيخ السعودي صالح المغامسي بـ"إباحة الموسيقى" وردود الفعل التي أثارتها في المجتمع السعودي؛ الجديد فيها أنها تصدر من شيخ يعتبر جزءاً من المنظومة السلفية المهيمنة على خطاب الفقه في المملكة العربية السعودية، وأحد المؤثرين في الفضاء الإعلامي، إلى جانب رمزية المسجد الذي يخطب فيه (مسجد قباء)؛ هذا يعني أن هيمنة التشدّد السلفي في السعودية تتعرض لاختراق من داخلها، وأن ردود الفعل التي ستنجم عن هذا "الحدث الخطير" في الذاكرة السلفية العامة للسعوديين، لا تعدو أن تكون سوى سجال محلي وذي نزعة تتصل بالمجتمع السعودي وذاكرته السلفية الوهابية، أكثر منها اتصالاً بالنقاش الحيّ في إطلاق مثل هذا الحكم ومرجعياته المعرفية والمقاصدية في الفقه الإسلامي، وهو ما حسم منذ أزمنة بعيدة.
مأتى تعويم ردود الفعل إعلامياً على هذا النحو (في ما نحسبه اهتزازاً في بنية الخطاب السلفي)، لا يتصل أبداً باهتمامات أو ذاكرة المجتمع العربي ـ غير السعودي ـ الأمر الذي سيضعنا أمام حالة إعلامية يراد تعويمها والاهتمام بها فقط لناحية هيمنة آليات دعاية إعلامية قوية ومؤثرة (قنوات فضائية ـ إنترنت) أكثر من أي شيء آخر في محتوى الفتوى.
الجديد أيضاً، أن استدلال الشيخ المغامسي لم يكن وفق طريقة "سيكولائية" مدرسية، في سرد النصوص والأدلة وترجيحها، من خلال خطاب سلفي نسقي عرف عن شيوخ التيار السلفي كدالة تجعل من السجال معهم، على ذلك النحو، محسوماً لصالحهم.
لكن المغامسي احتجّ على أرجحية التحريم في فتاوى السلفيين حيال الموسيقى بمقارنة أدلة التحريم مع ظواهر أخرى تشترك مع الموسيقى في أنها ذات طابع إنساني عام وعابر للمجتمعات البشرية في التاريخ، كالربا والقمار مثلاً. والحال أن وجه الحِجاج الذي ينحو إلى تلك المقارنات هو المنهجية المفتقدة في الخطاب السلفي المتكلّس حيال الكثير من تحديات الأزمنة الحديثة.
إن الموسيقى ــ وكذلك الرقص والغناء ــ من الظواهر العابرة لمجتمعات البشر في التاريخ، ولا يخلو منها مجتمع، ما يعني أن ضرورة تبيان الحكم فيها داخل النص القرآني تخضع لما وصفه الفقهاء القدامى بـ عموم البلوى، والظواهر التي تعم بها البلوى إن صمت النص عن بيان تحريمها؛ فذلك وجه آخر من وجوه إباحتها.
في ظاهرة كهذه، تتكشف وجوه وحقيقة أوضاع مجتمعات المنطقة العربية المختلفة، درجةً ونوعاً، أكثر من موضوع الظاهرة، ما يضعنا حيال تساؤلات أخرى تحفر عميقاً في جذور المستوى الحضاري لتلك المجتمعات، وحظوظها من تاريخ الانتماء للأزمنة الحديثة. هذا فضلاً عن نسقية الخطاب السلفي ومأزقه الأصلي حيال قضايا الواقع المعاصر من خلال شهادة الغائب على الحاضر، وهي شهادة معطوبة بامتياز.