تناقلت المواقع والصحف الفرنسية خبر وفاة الشاعر الفرنسي إيف بونفوا (1923- 2016)، الذي رحل مساء أمس، الجمعة، في منزله الباريسي، واصفة إياه بأنه أشهر شاعر فرنسي معاصر.
ليس في هذا الوصف مبالغة، إذ كتب بونفوا ما يفوق المئة كتاب كان آخرها "إيشارب أحمر" الذي صدر هذا العام عن دار "غاليمار"، كما نُقلت كتبه إلى ثلاثين لغة، وكان أدونيس مترجم "أعماله الكاملة" (حتى ذلك الوقت) إلى العربية عام 1986.
ولد الشاعر في مدينة تور، وكان والده عاملاً في محطة القطارات وأمه معلمة أطفال، عاش مراهقته في هذه البلدة الصغيرة، إلى أن انتقل لدراسة الرياضيات في باريس، ليقضي عشريناته بصحبة السرياليين، حتى نفر وابتعد قبل أن يصدر مجموعته الأولى وهو في الواحدة والثلاثين من عمره وكان عنوانها "دوف حركة وثباتاً" (1953).
بعد هذا الإصدار الأول انهمر الشاعر في كتاباته كشلال فأصدر عشرات المجموعات الشعرية ومن بينها "قصائد"، و"ضد أفلاطون"، و"اللامحتمل"، و"البساطة الثانية"، و"الغيمة الحمراء" و"في خديعة العتبة".
جاء اهتمام الشاعر بعد دراسته للرياضات والفلسفة في باريس، بفن الرسم والنحت بعد انتقاله إلى إيطاليا لدراسة تاريخ الفن، حيث بدأ يشق طريقاً آخر في الكتابة، تمحور حول نقد الأعمال الفنية ورصد حركة الفن من خلال دراسات وكتابة سير الفنانين. ولم تمنعه غزارته الشعرية من أن يجد وقتاً ليكتب عن بيكاسو وبالتوس وجياكوميتي وموندريان وألشينسكي. ومن دراساته الفنية والأدبية؛ "التصوير الجداري في فرنسا القوطية" و"آرثر رامبو" و"روما أفق الباروكية الأولى" الذي حصل عنه على جائزة "النقاد" وجائزة "بازوليني".
ليس هذا فقط، بل تكفل الشاعر والناقد الفني بترجمة شكسبير إلى الفرنسية إضافة إلى أعمال أدبية كبرى من الإنجليزية إلى لغته الأم مثل أعمال ويليام باتلر ييتس وجون كيتس وجياكومو ليوباردي.
حصل صاحب "حجر مكتوب" على العديد من الجوائز الفرنسية والعالمية، ومن أهمها "جائزة غونكور" في الشعر عام 1987، "جائزة الإكليل الذهبي" سنة 1999، و"جائزة كافكا" سنة 2007، وعربياً منح "جائزة الأركانة العالمية للشعر" المغربية 2013.
زورقان
أودّ، ناسياً إياكِ، وأنا معكِ
أن تفكّي أصابعي
أن تشكّلي من راحتي كأساً
أشرب قرب عطشك
ثم أترك الماء يجري فوق أعضائنا
ماء يجعلنا نكون، ونحن لم نكن
ماء يسيل عبر الأجسام القاحلة
من أجل فرح مبعثر في اللغز
غير أنه حسّ داخلي
أتذكرين؟
كنّا نسير في هذه الحقول المسيّجة بالحجر
وفجأةً خزّان الماء، وهذان الحضوران
في أي بلد آخر من الصيف المقفر
انظري كيف ينحنيان
إنهما مثلنا
هل يصغيان إلينا؟
يتحدثان عنّا؟
ياسمين تحت أغصان الشجرة الأولى
في ضوئهما السعيد المحجوب قليلاً
انظري، الماء يضطرب
غير أن أشكاله وقد استنفدت أكثر نقاوة
ما الحقيقي من هذين العالمين؟
أمر لا طائل فيه
ابتكريني أو لعلك تضاعفيني
على تخوم أسطورة ممزقة.
* مقطع من قصيدة "زورقان" لـ إيف بونفوا بترجمة أدونيس