تصوغ مفرداتها ببساطة وهدوء شديدين، فتصف بكلمات قليلة مشاهد وتجارب طويلة ومعقدّة، فالشعر لديها يكمن في اللغة الموجزة التي تترك وراءها آثار اشتباك حقيقي وعميق مع الحياة ولأجلها، هكذا تظهر الشاعرة الفلسطينية الأميركية نعومي شهاب ناي (1952) في حديثها لـ "العربي الجديد".
تتنوّع تجربة صاحبة "طرق مختلفة للصلاة" بين الشعر والرواية والقصة القصيرة والمقالة وأدب الطفل، وقد بدأت الكتابة منذ طفولتها، ونشرت قصائدها في عدد من المجلاّت وهي في التاسعة من عمرها. نالت الدرجة الجامعية الأولى في اللغة الإنكليزية والأديان من جامعة "تيرنتي" الأميركية.
أصدرت مجموعات شعرية عدّة؛ من بينها: "قفاز أصفر"، و"حقيبة حمراء"، و"وقود"، ومن أعمالها الروائية: "حبيبي"، إضافة إلى مجموعات قصصية منها: "ليس هناك مسافات طويلة الآن"، و"حمادي"، و"غداً صيفاً"، وهي تعتبر من أبرز الأسماء في الشعر الأميركي اليوم.
في حديثها هذا تقف ناي عند علاقتها مع الكتابة والشعر والأمكنة، وعن كتابتها للأطفال.
■ بعد رحلة مع الكتابة تقارب النصف قرن، كيف تنظرين إلى بداياتها؟
- الأدب هو نعمة الادّخار. إنه يمضي منا خارج عوالمنا إلى عوالم أخرى، ويذهب بنا أعمق نحو عوالمنا. لحسن الحظ ولدت لوالدين؛ أب فلسطيني وأم أميركية، كانا يحبّان سرد الحكايات وقراءتها لأطفالهما، وكانا يحبّان سرد الحكايات والقراءة لأطفالهم. كانا أناساً من كلمات بقواعد مكتملة وتعبير حصيف. في تلك الأجواء بدأت كتابة قصائد، وأنا في السادسة من عمري، عن تلك الأشياء التي تراقبها طفلة في الشارع والبيت.
■ كيف تقاربين علاقتك مع الأمكنة التي عشت فيها أو تجمعك بها روابط روحية أو ثقافية؟
- كلّ مكان له قصصه الخاصة، وتاريخه، ونحن نحاول دائماً أن نكتشف كيف يمكننا أن نتكيّف مع ذلك المكان أو أن نتواصل معه، أو كيف يمكننا صنع طرقنا الخاصة فيه بأمان. مدينة سان أنطونيو في ولاية تكساس حيث أقيم كانت المكان الذي لا تاريخ لعائلتي فيه، فظلّت بشكل من الأشكال أشبه بمكان للراحة.
فلسطين التي عشت فيها لفترة قصيرة لكن تفاصيلها الكثيرة لم تغب عني؛ أحزان الناس، ومعاناتهم اليومية في تنقلّهم بين رام الله والقدس بسبب ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وآمالهم.
■ كيف تنظرين إلى جذورك العربية، وماذا أضافته إلى حياتك وإبداعك؟
- هل يمكننا أن نتخلّى عن جذورنا؟ إنها تقيم في خلايا جسمنا، وتشكّل ثقلاً جمعياً لذاكراتنا، وتحملنا كل يوم، أسمع الضحك في ذاكرتي، وهو ضحكة والدي، وضحكة ستي (جدتي خضره شهاب الزّير)؛ يحملني نحو الأمام. الكتابة وقضاء وقت هادئ مع الكلمات أمور تساعدنا على الشعور بقربنا من كمال إنسانيتنا، لذلك أحبّ قراءة أناس يكتبون عن فلسطين والعرب، ويستمعون إلى الموسيقى العربية القديمة، ويتناولون الزعتر والزيت.
■ لماذا اتجهت إلى الكتابة للأطفال؟
- كنت دائماً مهتمّة بالكتابة للفتيان - إنها تحتفظ بروح الشباب في كلّ واحد منا. لا أريد أن أشعر بأنني أكبر وأنا أجدّد في هذه اللحظة المنطقة التي قد تكون هرمت في داخلي، في الواقع، وأجد نفسي ما زلت أشعر بشبابي. بامتنان، أذكر كيف طلبت مني محرّرة تدعى فيرجينا دونكان (المحررة المسؤولة في مطبوعة Greenwillow) قبل خمس وعشرين سنة أن أرسل بعض أعمالي إليها، ومنذ ذلك الوقت ونحن نعمل سوية.
■ ما هي اهتماماتك خارج الكتابة؟
- أنا أحب القراءة بطبيعة الحال، والمشي، وتفحّص المباني القديمة والعمارة بشكل عام، والطبخ ومشاهدة الأفلام ومتابعة الفن في صالات العرض والمتاحف والاستماع إلى الموسيقى.. وكذلك الاعتناء بالحديقة والخياطة وأن أكون بين الناس وأن أكون وحدي أيضاً، وأنا مهتمّة بالسرد الأدبي وغير الأدبي وبالشعر والمسرحيات والصحافة الجيدة.
■ كيف تكتبين؟
- إذا استطاع المرء أن يجعل الكتابة تمريناً يومياً، فهذا يسهّل عليه أن يصبح كاتباً. أنا أكتب في الصباح الباكر وأواصل الكتابة في أثناء اليوم. "إضافات بسيطة" من الوقت يمكن أن تكون مفيدة للكتابة إذا لم تكن تمتلك ساعات طويلة للتفرّغ لها. أنا اليوم أمتنع عن متابعة الأخبار لأربع سنوات مقبلة وهو ما سيمنحني المزيد من الوقت لأكتب.
■ ما هو الشعر؟
- الشعر يساعد الناس على البقاء أسوياء العقل وأن يحافظوا على إنسانيتهم؛ الشعر يبقينا على تواصل مع التفاصيل الصغيرة، ويجعلنا نقضي الوقت بلحظاته ولمحاته الخاطفة، وأن نلحظ الأشياء على نحو أفضل. الشعر هو اللغة الموجزة التي لها اشتباكات وصدى أكبر.
___________________________
ما الذي تغيّر
أبي يتمنّى أن يسافر معي
بعد سنوات من موته. يوماً ما سنتعلّم كيف نعيش. كلّنا
من نجونا بلا عنف
لم نتوقّف أبداً عن أن نحلم بوسيلة لمداواته.
ما الذي تغيّر؟ اجتياز شارع صغير
في سوق الدوحة، محامص مغلقة،
منديل مكرمش ملقى على الطريق،
بنّي وأبيض، مثل واحد كان يمتلكه أبي،
من الأردن، موضوع بعناية في جيبه تحت ابتسامته، لسنوات
كان من الممكن أن يعطيه لأيٍ كان
كيف نكمل كلّ هذه الأيام؟
نعومي شهاب ناي
ترجمة: القسم الثقافي - العربي الجديد