من الطبيعي أن يكون البحث عن وسيط لغوي تواصلي، لإيصال معاني لغة إلى جماعة بشرية لها لغتها الخاصة، أمراً في غاية الأهمية، كما هو الحال بالنسبة لمجموعة من التجارب، التي اهتمّت بالترجمة من العربية إلى لغات أخرى، مثل ترجمة نص ومعاني القرآن إلى لغات أقوام وشعوب غير عربية.
بهذا الخصوص نشير إلى تجربة مهمة في المغرب، بادر إليها الكاتب الأمازيغي، الحسين جهادي، حين أصدر ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأمازيغية عام 2003، بعد جهد استغرق منه ما يزيد عن عشر سنوات من الاشتغال.
بعض المهتمين اعتبروا الأمر تجربةً رائدة، خصوصاً وأنها كانت الأولى من نوعها من جهة، ولأنها كانت، من جهة ثانية، فردية ومستقلة عن أية جهة رسمية؛ نقصد هنا أساساً "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" (IRCAM)، ونستثني من هذا أيضاً الوزارة الوصية على الشأن الديني؛ "وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية"، التي لم تهتم لهذا الأمر إلى يومنا هذا!
لا بد أن نذكر هنا، أن هذه المبادرة لترجمة معاني القرآن إلى الأمازيغية، جاءت قبل أن تحظى اللغة الأمازيغية بوضع دستوري رسمي، وقبل أن يُحسم رسمياً في أمر "معركة الحرف"، باعتماد حرف "تيفيناغ" لرسم وكتابة الأمازيغية، ما جعل المُؤلِّف يُدوّن بالحرف العربي ترجمته لمعاني القرآن.
لذلك يمكن النظر إلى مثل هذه الترجمة، كاستمرارية لتراث أمازيغي مكتوب بالحرف العربي، بدأ إنتاجه منذ ما يقارب عشرة قرون على الأقل، ما يسمح بتحقيق تواصل معه من طرف الأمازيغ وغير الأمازيغ. وهو الأمر ذاته الذي أكّده المترجم -الحسين جهادي- في حوار أجري معه مؤخراً، عندما أبرز أن غايته من هذا العمل، هو "أن يصل إلى كل المغاربة، وليس إلى الأمازيغ فقط، خاصة أن تدريس اللغة الأمازيغية حالياً لم يتجاوز مرحلة التعليم الابتدائي".
كما أن أي مبادرة للترجمة من العربية إلى الأمازيغية، لها أيضاً أهمية بالغة من الناحية الثقافية والحضارية، خصوصاً في ظل الوضع الحالي للأمازيغية داخل المشهد الثقافي المغربي، الذي أضحت فيه عملية التدوين بالأمازيغية مرتكزاً أساسياً لتدارك سنين خلت من الإنتاج الشفهي.
لكن، لا يجب أن يكون هاجس التدوين هذا، هو "الانحياز" للرؤية المؤسساتية في "مَعْيَرة" الأمازيغية، ومعناها توحيد هذه اللغة التي تنقسم في المغرب إلى ثلاثة روافد؛ "تريفيت" في الشمال الشرقي للبلاد، و"تمازيغت" في الوسط، ثم "تشلحيت" جنوب البلاد (في منطقة سوس خصوصاً). ففي كل من المناطق الأمازيغية الثلاث المذكورة، هناك اختلاف في النطق، وفي الحروف، والمعجم والتركيب، ما يجعله ينعكس على المظاهر الثقافية والأدبية الشفهية.
لقد تعمّد أمر المَعْيَرة هذا إلغاء التاريخ وفعله، إذ لم يخلُ من السلبيات التي تتلخص في القضاء على التنوّع اللساني، والإضرار باللغة الأم، علاوة على خلق ازدواجية لغوية جديدة بين لغة مكتوبة وأخرى شفهية، ستعمق الهوّة بين هدف مَعْيَرة واحدة، وبين احترام اختلافات الروافد الأمازيغية.
تحتاج الأمازيغية اليوم حقاً، إلى منفذ أساسي لتطويرها، مثل مشروع الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الأمازيغية. لكن هذا يتطلب مراعاة الحقيقة الثقافية والاجتماعية المغربية المشتركة، التي تراكمت فيها روافد متعدّدة، وإلا فالأمر سيكون عكس ما يرمي إليه فعل الترجمة إلى الأمازيغية، وفعل تدوينها معاً.