من ذلك أن اللغة العربية في المغرب ظلت سليمة على الأقل في جوهرها، فلم تدخلها عجمة اللفظ، ولم تحط من قيمتها ركاكة في الأسلوب، وإنما ظلّت – على تخلف في التعليم وانصراف عن الأدب – سليمة نقية كأحسن ما يكون النقاء في ظروفها وبيئتها وحياتها وما يتيحه التعليم من غناء أو نصاعة.
ومن ذلك أن الأدب حينما بدأ ينهض في المغرب كانت هناك سوابق من نهضته في المشرق. يترسمها ويسير على منوالها، وكانت هناك المطبعة العربية في المشرق تغذي النهضة الثقافية في المغرب بنماذج من الأدب العربي القديم: دواوين الشعراء ومحاضرات الأدباء ودراسات وتاريخ الأدب العربي ونماذج من شعر الفحول ونثر الممتازين ممن كشفتهم المطبعة لفكر الناشئين والأدباء والمتأدبين.
وكذلك لم ينصرف المتعاطون للأدب إلى البحث والكشف، ولكنهم انصرفوا فقط إلى القراءة الميسرة السهلة في كتب ومجلات مطبوعة طبعا أنيقا نظيفا مشكولا في كثير من الأحيان.
وهكذا بدأ الأدب المغربي يأخذ طريقه نحو النور، في ظروف ميسرة أو أقل صعوبة على الأقل مما واجهت الأدباء في المشرق ومما صرفوا جهودا وأعمارا لتذليلها والانتصار على عقباتها.
والحق أن الأدباء في المغرب استفادوا من الظروف المشجعة هذه فبرز الأدب المغربي في العقد الثاني والثالث من هذا القرن في حالة تدعو إلى التفاؤل: شعر مستقيم اللغة والأسلوب قوي النفس، ولكنه تقليدي في المضمون يتطلع إلى مثله الأعلى من خلال شعر المتنبي أو أبي نواس أو من خلال شعر البارودي وشوقي. ونثر متحرر من قيود السجع والمحسنات، ولكنه محدود الأفق سجين الثقافة المحدودة والمجال الضيق.
وبدأ الأدب طريقه في مسالك وعرة لم تقف في طريق الأدب في المشرق.
وأولى العقبات كانت الحرية، الحرية التي افتقدها الفكر في المغرب نتيجة للحرية التي افتقدها المغرب في الميدان السياسي منذ بداية القرن الحالي. ولعل المغرب يضرب أروع مثل في اتصال الحرية بالفكر، وفي قيمة الحرية كمتنفس للأدب ومجال لازدهاره ويقظته. فإن الظروف السياسية التي عاشها المغرب طوال نصف قرن كانت بمثابة خناقة تخنق كل متنفسات الفكر والأدب.
* مقطع من مقال بعنوان "ملامح الأدب العربي الحديث بالمغرب" تضمنه كتاب "في الثقافة والأدب"، الدار البيضاء، 1964.