كتّابٌ وفنّانون كثر اتّخذوا من الصحراء الأفريقية موضوعاً لأعمالهم، حيث استوحوا من عوالمها وأساطيرها مادّةً للكتابة، لعلّ أبرزهم، عربياً، الروائي الليبي إبراهيم الكوني الذي جعل من "الطوارق" وسبل حياتهم في الصحراء الليبية ثيمة قارّةً في جميع أعماله الروائية.
كذلك استوحى الروائي الإسباني، ألبرتو باثكث، روايته "طوارق" من الفضاء ذاته، وتحديداً من المساحة الممتدّة بين المغرب والجزائر وموريتانيا؛ حيث يتحرّك الإنسان الطارقي ككثبان الرمل، من دون أن يعير اهتماماً بمتاريس الحدود المصطنَعة، في عوالم تشبه الملاحم الأسطورية لمجموعات بشرية أغواها الترحال.
ربّما لم يدُر في ذهن باثكث أن روايته تلك ستتحوّل إلى واحدة من أبرز صور التخييلات الغربية لعالم الطوارق الغرائبي؛ حيث يؤكّد أنه، وفي أكثر أحلامه إسرافاً، لم يكُن يرى في عمله سوى "محاولة لسرد تفاصيل فضاء مدهش"، وهي المحاولة التي قادته من عالم الصحافة إلى عوالم الرواية والخيال.
ظلّت صورة الطارقي الملثَّم لغزاً يثير الكثير من الفضول، خصوصاً مع رواج أساطير كثيرة حول تلك العادة لدى ذكور الطوارق، بخلاف النسوة اللائي يغطّين وجوههن كما هُو الحال في بعض المناطق الصحراوية.
ثمّة محكيات تفسّر الأمر، منها واحدةٌ تزعم أن غزواً غادراً تعرّضت له قبيلة طارقية انتهت بخسائر فادحة بعد تعرّضها للسلب، وهو ما لم يُمكنّ أهلها من الاستعداد للقتال في وقت وجيز، بالنظر إلى قلّة عددهم وعدّتهم. لكن النساء الطارقيات تجهّزن للحرب خفيةً في الليل، بينما كان الرجال نائمين؛ إذ ارتدين أزياء المحاربين وأغَرن على الغزاة وعدن إلى ديارهن غانمات. وبحسب الأسطورة، فقد استبدل الرجال، منذ تلك اللحظة، زيّهم باللثام، بينما بقت النسوة كاشفات الوجوه.
غير أن باحثين طارقيّين يكذّبون تلك الحكاية التي تُضفي بعداً أسطورياً على حياة الصحراء، إذ يعتبرونها محض "أكذوبة شائعة"، مؤكّدين أن اللثام جزءٌ من التقاليد القديمة عند الرجل الطارقي، تتناسب وطبيعة الصحراء؛ حيث العواصف ورياح الخماسين.
ويروي مهتمّون بثقافة الطوارق في الجزائر أن اللثام الذي يلفّ به الطارقي رأسه وعنقه بحيث يغطّي جزءاً من وجهه (يصل طول اللثام إلى تسعة أمتار)، ليس سوى كفنٍ يحمله طوال حياته؛ فإذا حلّت لحظة الموت، كان الكفن جاهزاً.
هذه المعلومة يؤكّدها الطوارق أنفسهم، ومن بينهم الفنّان الجزائري، نبيل بالي، الذي يقول في حديث إلى "العربي الجديد": "يُزاوج الطارقي دوماً بين الحياة والموت؛ فاللثام وسيلة عيش في الصحراء يرتديه لمواجهة الرياح العاصفة الحاملة للرمال والأتربة، وأيضاً كفنُه الجاهز لمقابلة الموت في أية لحظة". يُضيف: "الطارقي مولعٌ بالحياة ومتسامح مع الطبيعة القاسية، تماماً كتسامحه مع الموت".
رغم هذه الأبعاد الروحية والرمزية، لم يسلم الزي الطارقي من التوظيفات السياسية والأيديولوجية، خصوصاً بعد ظهور تيارات متشدّدة امتدّت في الصحراء الأفريقية؛ حيث اتّخذت منه أداةً للاختفاء والتنكّر في ممارسة نشاطات تدميرية، ما جعل منه مصدر توجّس، بدل أن يبقى رمزاً للتسامح والحياة البدوية البسيطة. يحدث ذلك في مالي وليبيا والمناطق الجنوبية في الجزائر حيث أضرّ تحالف الإرهاب والجريمة المنظّمة بصورة الطارقي البسيط الذي لا يتجاوز سقف مطالبه حريةَ الترحال في الصحاري الواسعة.