تشارك في الملتقى تسع باحثات وباحثين، من لبنان وتركيا وإيران وأميركا وأستراليا وبريطانيا، بينما تركّز معظم الأوراق على الحداثة في نهاية الإمبراطورية العثمانية، واستخدام الصور والأزياء كمؤشرات عليها، إلى جانب علاقة التحوّلات في التراث البصري في الحقبة ما بعد الكولونيالية، والأزياء كرموز وطنية ونضالية، إضافة إلى التعبير من خلال الملابس عن الحداثة النسوية والتمرّد على الهوية الجندرية.
الباحثة الإيرانية شيفا بلاغي تتناول الصور القاجارية التي جرى ابتكارها في طهران في أربعينيات القرن التاسع عشر، بعد وقت قصير من ظهور التصوير الفوتوغرافي. حيث كلّف الملك ناصر الدين شاه أن يتم تصوير الحياة اليومية في الدولة القاجارية آنذاك، وأصبحت الصور تباع كهدايا تذكارية للسياح، إلى جانب أنها غدت موضوعاً لدراسة المستشرقين. تتضمّن هذه الصور فتيان عند بائع الآيس كريم، وطبيب يهودي يستقبل مرضى في فناء منزله، ومشيعين يزورون المقبرة في قُم، ونصر الدين شاه مع زوجاته؛ تفاصيل تعتبر انعكاساً لمؤشرات الحداثة في إيران تلك الحقبة.
كما يقدّم الأكاديمي الأميركي ويلسون شاكو جيكوب، المتخصّص في التاريخ الثقافي لمصر الحديثة، ورقة يعود فيها إلى البلد شبه المستقلة عن العثمانيين إبان حكم محمد علي، الحالة التي استمرت مع حكم حفيده إسماعيل الذي أطلق على نفسه الخديوي، وأصبحت مصر تلقّب بالخديوية، وفي هذا شبه استقلال عن السلطنة العثمانية. كما يواصل الباحث تاريخ مصرالسوسيوثقافي وبالخصوص الجندري بعد دخول بريطانيا عقب الحرب العالمية الأولى. يتناول جيكوب المسارات الجنسوية والجندرية والجنسية في مصر ما بعد العثمانية، والتي كان للأزياء والملابس فيها دوراً في التفريق بين الحكمين القديم والجديد، وعلاقتها بتعابير من نوع التقدمي والرجعي.
الباحثة التركية زينب دوفريم غورزيل تستكشف ألبوماً ضوئياً يرجع تاريخه إلى مطلع تسعينيات القرن التاسع عشر، والذي تم العثور عليه في أرشيف قصر السلطان عبد الحميد العثماني، ويعرض مرضى الجراحة في مستشفى هاسيكي للنساء بعد استعادة صحتهن. تظهر هذه الصور الرسمية كل مريضة ترتدي زياً معتاداً في المستشفى ومع ذلك تكشف كل واحدة عن بطنها لإظهار ندبة جراحية. كل امرأة تميل على طاولة فوقها جرة، في الجرة ثمة ورم استؤصل من بطنها، وقد كانت كل صورة تعرض على المريضة والجراح والسلطان. تطرح غورزيل سؤال: كيف نفهم مثل هذه الصورة؟
بدورها تقدّم البريطانية رينا لويس مداخلة حول أدب الحريم المكتوب باللغة الإنكليزية، وتقدم في ورقتها أمثلة بصرية وأدبية لدراسة كيف جرى إنتاج الهويات والإثنوغرافيا الجندرية، ومقاومتها ضمن أنظمة محدثة من الحجب والكشف. وتعود صاحبة كتاب "إعادة التفكير في الاستشراق: المرأة والسفر في عصر الحريم العثماني"، إلى لحظات مفتاحية وطقوس لها علاقة بالحريم والأزياء. وتدرس بيوت النخب الثقافية في العصر العثماني من الإسكندرية إلى القسطنطينية والكيفية التي كانت يجري بها التعامل مع ملابس النساء، والتغيّرات التي جرت عليها وصولاً إلى بدايات الجمهورية التركية.
من جهتها تتناول الأكاديمية الأميركية نانسي ميكيلرايت الأزياء والكاميرا في إسطنبول بالتزامن مع العقود الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، حيث كانت ثياب النخبة في تغيّر دائم مع وصول الأقمشة وأفكار الأزياء الجديدة إلى المدينة، وقد ارتفعت وتيرة التغيير بشكل كبير في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وبالمثل، انتشرت الصور الفوتوغرافية بشكل متزايد، وجرى فهم كل من الموضة والتصوير على أنهما مؤشران للحداثة والهوية، ويمكن تغييرهما حسب الرغبة، تماماً كما يمكن تجربة الملابس بسهولة والتخلص منها.
الباحثة اللبنانية ياسمين نشابة، تتطرّق إلى ميل الفتيات في مصر ولبنان وسورية وفلسطين في العشرينيات والثلاثينيات إلى قص الشعر بطريقة ذكورية والخروج على الشكل التقليدي للمرأة. باعتبار أن هذه كانت إحدى الطرق التي تم من خلالها نشر الأفكار الجديدة حول دور المرأة في المجتمع والسياسة في العالم العربي. من هنا كان هناك أهمية لحدوث تغييرات جذرية في الموضة النسائية والمظهر والهوية الجندرية في ذلك الوقت، وترى أن المرأة لم تكن تتحدى المؤسسات الاجتماعية التي تتحكم في أدوارها ممثلة بالدين والدولة والعائلة فقط، بل كانت تقاوم الصورة النمطية التي تكرسها الثقافة الأوروبية والأميركية عن نظيرتهما العربية بوصفها ثقافة جامدة وغير قابلة للتغيير.
الأكاديمية الأسترالية ماري روبرتس تقدّم ورقة حول مجازات الحداثة في الثقافة البصرية للعثمانيين والمستشرقين، حيث ترى أن الفكرة المألوفة للتحليل الاستشراقي للرسم تفترض أن الشرق محجوب عن الحداثة. تتفحّص روبرتس أعمالاً فنية من القرن الـ 19 اشتغلت على العكس من هذا التصور الاستشراقي، مثل لوحات والتر تشارلز هورسلي للجنود البريطانيين في الشوارع وأسواق القاهرة، ورسومات كونستانتين غايزل للحياة في شوارع إسطنبول، والتي قدّمت الأماكن العامة للمدينة مواقع للتواصل بين الثقافات. كما تعود إلى صور المرأة العثمانية في تلك الفترة والتي كانت تعتبر هجيناً تزواجت فيه عدة ثقافات.
أستاذة الأنثروبولوجيا في "الجامعة الأميركية" كريستين شيد، تقدم ورقة بعنوان "حركة العري: أن ننظر: للعري وكعراة"، وفيها تعود إلى الثلاثينيات من القرن الماضي، وتفاصيل وأحداث في أوساط المثقفين في بيروت، تتعلّق بترجمة عمل فرنسي بعنوان "رواية تربوية"، ومجلة "المعرض" لميشيل زكور، وعرض فيلم "سوق الشمس"، في دور بيروتية والذي يصور الحياة في مستوطنة العراة الألمانية، والمجلات الإباحية وغيرها من المطبوعات، وتستكشف الورقة العلاقة بين الفنانين والناشطين في الثلاثينيات والحداثة وحسيّة الجسم الحضري الحديث، وبشكل خاص مشاهدة العري عبر الأعمال الفنية.
وأخيراً، تحضر الباحثة في الفنون المعاصرة تينا شيرويل والتي ترأس برنامج الفنون المعاصرة في "جامعة بير زيت" وتحاضر فيها. وتقدم ورقة حول الثوب والكوفية وتحولهما في فلسطين إلى رمزين وطنيين للهوية والنضال الفلسطيني. تدرس ورقة شيرويل التحوّل المبكر للزي وتتبع تطورها من رمز القرية المحلي إلى جزء بارز من الأيقونات القومية. وكيف دخل الثوب والكوفية في الأعمال الفنية، والملصقات، والحلي. كما ستقوم الباحثة بتتبع خيوط هذه الأشكال من اللباس ودورها في تشكيل الهوية الوطنية والخيال الجماعي.