تُعتَبر عالمة الآثار العراقية لمياء الكيلاني (1931 - 1988)، التي رحلت أمس في العاصمة الأردنية عمّان، أوّلَ امرأة عراقية تحصل على الدكتوراه في علوم الآثار من بريطانيا.
عادت الكيلاني إلى بغداد عام 1961، لتبدأ العمل على الفور في المتحف العراقي مع الآثاري فرج بصمجي، الذي رأى أن عليها القيام بمهمّات أرشيفية لكونها امرأة، فأوكل إليها مهمّة فرز وتبويب آلاف الأختام الأسطوانية التي امتلأ بها المتحف من دون أرشفة، فصوّرت كل واحدة فوتوغرافياً وصنّفتها.
ومع وصول الآثاري طه باقر إلى العمل في المتحف، طلب منها أن تشاركه في أعمال التنقيب في منطقة بالقرب من بغداد، لتكون أول امرأة تقوم بهذه المهمة وتحقق حلمها في العمل الميداني، بفضل باقر الذي كان متفتّحاً في ما يخص عمل المرأة في هذا المجال.
ربما تكون الكيلاني قد دخلت عالم الآثار بالصدفة، لكن هذه الصدفة قادتها إلى حقل اهتمت به وشغل تفكيرها، وهي التي كانت تحلم بدراسة العلوم السياسية والحقوق والعمل السياسي، لكن شقيقها الذي كان يدرس هذا التخصّص لم يكن يريدها أن تكون في نفس كلّيته، فسجلت نفسها في قسم الآثار الذي كان قد افتتح حديثاً في جامعة بغداد مطلع الخمسينيات.
أسست الكيلاني للدور التعليمي للمتحف العراقي، فأطلقت سلسلة من الورش والمحاضرات بهدف تشجيع من يرتادها على متابعة دراسة الآثار، وكانت تسعى إلى زيادة عدد الآثاريين من العراقيين الشباب.
وضعت الراحلة أول دراسة لها في الآثار بعنوان "الأواني السومرية الفخارية الطقسية"، وكتبت دراسة عن "الأختام الأسطوانية في الحقبة البابلية"، كما ألقت عدّة محاضرات في عدة مدن وعواصم في العالم، ومنها محاضرة حول الاستكشافات الآثارية وبعثات التنقيب في العراق في التاريخ الحديث، وأخرى تحت عنوان "قصة المتحف العراقي في النصف الأول من القرن العشرين"، والتي تطرقت فيها إلى تأسيس المتحف ومن تعاقب عليه من الآثاريين ومحتوياته وما جرى لها في فترات مختلفة، ودور المتحف في الحفاظ على الهوية العراقية.
كانت الكيلاني ممن عادوا إلى العراق بعد عام 2003، بهدف المساعدة في إنقاذ ما أمكن إنقاذه من الآثار من النهب والتدمير، وقد تطرّقت في محاضرات ومقالات مختلفة إلى الكيفية التي نُهبت بها هذه الآثار وكيف أُعيدت مجموعة منها.