في العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1975 مات الجنرال فرانكو، الذي أسس دكتاتورية عسكرية بعد "انتصاره" في الحرب الأهلية الإسبانية. كان رحيله منطلق ما بات يعرف بـ"التحول الإسباني إلى الديمقراطية"، وإن كان المؤرخون يختلفون حول نهاية تلك المرحلة؛ إذ يقول البعض إنها انتهت بعد الانتخابات العامة عام 1977؛ بينما حددها الآخرون بالموافقة على دستور 1978، ومنهم من يرى أنها انتهت بعد فوز حزب العمّال الاشتراكي الإسباني في الانتخابات العامة عام 1982.
كانت هذه السنوات بالنسبة إلى الثقافة والفنون سنوات التحوّلات أيضاً، وهي موضوع بحث بدأ "متحف الملكة صوفيا" في مدريد إجراءه عام 2008 وانتهى منه عام 2018، بهدف إثبات التجارب الفنية التي جرى استبعادها من الخطاب المؤسسي الرسمي في تاريخ الفن الإسباني في تلك الحقبة، ونتائج هذا البحث تعرض من خلال أعمال فنية تحت عنوان "شعريات الديمقراطية: صور وصور مضادة من التحوّل الإسباني" في المتحف حتى 25 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
يركز المعرض على هذه التحولات التي حدثت للفن، ويذكّر بفترة شهدت، إلى جانب المطالب المدنية بالحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ظهور جمالية جديدة مرتبطة بالممارسات الثقافية التي سعت إلى تفكيك نظام فرانكو والمخططات المؤسسية التي تحاول أن ترثه.
تبدأ قصة المعرض بدراسة حالة "بينالي البندقية" لعام 1976، الذي كانت له أهمية سياسية وثقافية كبيرة، إذ يمكن من خلال دراسته فهم التقلبات والنزاعات والحوارات والمناقشات النظرية، التي كانت جارية داخل إسبانيا وخارجها أثناء تنظيم البينالي، كاستعارة لتلك الفترة المضطربة التي يميل المؤرخون إلى اعتبارها لحظة تميزت بالإجماع، ومع ذلك كانت مليئة بالتحديات والخلافات والتناقضات.
آنذاك قرّر الفريق الجديد المسؤول عن البينالي جعل الحدث أداة في الكفاح ضد الديكتاتوريات، وكان قد خصّص قبلها نسخة 1974 للمقاومة ضد دكتاتورية بينوشيه في تشيلي، ولذا كان من المنطقي أن تكون إسبانيا موضوع النسخة التالية منه، وللمضي قُدماً في المشروع، فكّر البينالي، لأن فرانكو كان لا يزال على قيد الحياة، بإبقاء الجناح الإسباني الرسمي مغلقاً، وصممت لجنة التنسيق عرضاً يسارياً تحت عنوان "إسبانيا: الفني الطليعي والواقع الاجتماعي (1936-1975)"، كان هدفها مقاومة السردية الرسمية التي شيدتها أربعون سنة من الديكتاتورية؛ لكن ومع موت فرانكو تغيرت طبيعة المعرض.
في "شعرية الديمقراطيات" استعادة لكل هذا الإرث خاصة الأعمال التي عُرضت في البينالي، من شعر وصور وموسيقى وسينما ومسرح مستقل وملصقات وكوميكس وكولاج وفنون تشكيلية، كل تلك كانت أدوات استكشف بها الفنانون الأمل والخوف من المستقبل، كما يقدم تصوراً عن الذكوريات الفرانكوية في مقابل النسوية التي بدأت تظهر بقوة في تلك السنوات وأزمة الكاثوليكية وسؤال حدود الديمقراطية.