تُشكّل الإرساليات التبشرية التي قدمت إلى المنطقة العربية في القرن التاسع عشر محطّة أساسية تركت أثرها الواضح في مناحٍ عديدة، أولها يرتبط بدخول المطبعة التي ساهمت خلال فترة قصيرة في ظهور الصحف، خاصة في بلاد الشام، كما تأسّس عدد من المدارس بمناهج وأساليب تعليم حديثة.
رغم أن أولى هذه البعثات أتت منذ منتصف القرن السادس عشر ممثّلة للكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، إلا أن نشاطها المكثّف انطلق متأخراً مستفيدةً من تراجع نفوذ الدولة العثمانية بعد عام 1821، فتصاعد حضورها تدريجياً.
"البعثات والمبشرون في الشرق الأوسط من القرن 19 الى القرن 21: مناهج بحث جيددة" عنوان المحاضرة التي تلقيها الباحثة الفرنسية شنتال فرداي عند السادسة من مساء الأحد المقبل، الثامن من الشهر الجاري، في "المعهد القومي الفرنسي للغات والحضارات الشرقية" بالقاهرة.
تعود أستاذة تاريخ العالم العربي المعاصر إلى "الأرشيفات الغنية التي توثّق تاريخ البعثات المسيحية إلى البلدان الممتدة من المغرب إلى إيران، ومن تركيا إلى اليمن، والتي شهدت توسعاً كبيراً في السنوات الأخيرة"، بحسب بيان المنظّمين.
وتشير فرداي التي تناولت في أبحثها العديد من النصوص التبشرية في المنطقة، إلى أنه بعد بضع سنوات من التواري في فترة ما بعد استقلال دول المنطقة (1960 - 1980)، جددت هذه البعثات من نفسها بقوة، مستفيدةً من مساهمات دراسات ما بعد الاستعمار ودراسات "تاريخ العالم"، كما تساهم اليوم دراسات النوع، وتاريخ التعليم، والتاريخ العابر للأوطان أو تاريخ الحركات الإنسانية، في هذا التجديد.
توضح صاحبة "الرسالة اليسوعية لجبل لبنان وسورية (1830 - 1864)" أيضاً أن "التركيز بات ينصب على المجتمعات المحلية وقدرتها على التفاعل ويتم تقديم البعثات على أنها "لقاء مع الآخر"، متساءلة عن طبيعة هذا التلاقي، وكيفّ غيّر كلّاً من المبشرين والمجتمعات المحلية؟ وكيف تطورت هذه العلاقة على مرّ السنين؟
يُذكر أن هذه المحاضرة جزء من "سلسلة ندوات ميدان المنيرة" الشهرية التي يشارك فيها باحثون متخصصون مصريون ومن بلدان مختلفة وتناقش موضوعاً أساسياً هو "مصر والشرق الأوسط - ديناميكيات وتحديات وأزمنة".