لولا بعض معارض الكتب أوّل العام مثل الدوحة والقاهرة، ومعارض أخرى في نهايته كالشارقة وبغداد، لكانت سنة 2020 خالية تماماً مِنَ الفضاء الأنشط لتداول الكتب عربياً، حيث فرض انتشار فيروس كورونا أن تعمل عجلة النشر بالحد الأدنى، فلا يخفى أنها مرتبطة بشكل شبه عضويّ مع المعارض لأنها تمثّل فضاء التسويق الأكبر بالنسبة للناشرين.
طبعاً رافقت هذا الوضع بكائيات في كل مكان حول حال الكتاب العربي وحال القراءة والثقافة، وبدا زمن الوباء مثل نفق مظلم يدخله الجميع ولا أحد يعرف كيف سيخرج منه. لكن هل أن هذه القتامة مبرّرة حقاً؟
لا يحتاج الأمر إلى كثير تدقيق كي نعرف خسائر دور النشر العربية في نهاية 2020، لكن هل أن هذه الخسائر تسبّب فيها الوباء وحده أم أيضاً السياسات الثقافية عامة في كل بلد، ومنهجيات الناشرين أنفسهم في تسويق منتجاتهم خارج الطرق المكرّسة؟
هنا لا بدّ من عقد مقارنة مع أحوال الكتاب في فضاءات ثقافية أخرى، وسنجد عكس التوقعات (نقصد العربية تحديداً) بأن حلقات إنتاج الكتاب شهدت انتعاشة في فرنسا وألمانيا وبلدان أوروبية أخرى حيث إن وضعية الحجر خلقت طلباً على الكتب جرت تلبيته من خلال منظومة التوزيع المرتبطة بالتطبيقات الإلكترونية، كما خلق هذا الوضع من جهة أخرى طلباً على مستوى التأليف في مواضيع راهنة كثيرة فرضتها ظرفية 2020، فتنشّطت الكتب التي تتحدّث عن الطب وعن بدائل النظام الرأسمالي وعن الإيكولوجيا، ناهيك عن روايات الخيال العلمي والمغامرات والتاريخ. هكذا، كان الكتاب أحد المستفيدين من وقائع عام الوباء في أوروبا على الرغم من عدم تنظيم الأغلبية الساحقة من المعارض، كما هو الحال عربياً.
قلة من الناشرين العرب يفكّرون في الوصول إلى القرّاء بطرق جديدة
اعتباراً لذلك، فإن "الأزمة" التي يشار إلى أن الكتاب العربي يعيشها اليوم جرّاء كورونا هي قبل كل شيء نتاج قلّة الحيلة وعدم التفكير خارج الطرق المعبّدة. ففي الوقت التي احتجّ أو تذمّر فيه الناشرون - كلٌّ في بلده - على قرارات إلغاء معارض الكتب، كانت قلّة لا غير تفكّر في الوصول إلى نفس القرّاء الذين يأتون إلى المعارض لكن عبر مسالك أخرى. لا يخفى هنا أن الحلول الإلكترونية ليست الحلّ السحريّ لهذه الأزمة فمن المعلوم أن البنى التكنولوجية مهترئة (باستثناءات في بعض بلدان الخليج) ولا تتيح خدمات التوزيع كما في أوروبا، لكن لا يوجد أيضاً اهتمام سابق بتعويد الجمهور على الكتاب الإلكتروني أو إدخاله ضمن عادات الاستهلاك الثقافي، وفي المحصلة فإن تعطّل مسار الكتاب بين مؤلفه وقارئه منطقية في ظل عدم الاستعداد لسيناريوهات كالتي أتى بها 2020.
لعلّ نقطة الضوء الوحيدة في هذا العام بالنسبة للكتاب العربي هي تسليط الضوء عليه أكثر في الغرب، حيث وجد مساحة لم يحظ بها من قبل في "معرض فرانكفورت الدولي" في دورة نظّمت معظم فعالياتها افتراضياً. كما حضر الكتاب العربي في مجموعة من المعارض الخاصة به في بلدان الشمال الأوروبي، خصوصاً ألمانيا، بمبادرات من جمعيات مدنية، وهي نقطة إيجابية ينبغي التفكير في استثمارها مستقبلاً لصالح الكتاب العربي.