صلاح أبو سيف.. متلازمة الجريمة والسلطة

10 مايو 2020
(صلاح أبو سيف)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، العاشر من أيار/ مايو، ذكرى ميلاد المخرج السينمائي المصري صلاح ابو سيف (1915 - 1996).


في عام 1951، اضطر صلاح أبو سيف، الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده، إلى بيْع سيارته ومصاغ زوجته من أجل إنتاج فيلمه "لك يوم يا ظالم"، الذي لم يستهو أيّ من المنتجين، الذين كانوا يميلون إلى الأفلام الاستعراضية والغنائية التي هيمنت آنذاك، في رهان على تقديم رؤيته الجديدة المستمدّة من الواقع.

تظلّ المفارقة حاضرة في فيلمّه هذا، الذي تناول قصة في واحد من الأحياء الشعبية التي لم تُظهرها السينما المصرية من قبل، إذ استند المخرج المصري (1915 – 1996) إلى رواية "تيريز راكان" للكاتب الفرنسي إميل زولا، وكتب له السيناريو والحوار الروائي نجيب محفوظ، لكنه سيجعل الجشع دافعاً وراء الجريمة في العمل، وليس الحب، مبرزاً مفردات لن تغادر معظم أفلامه اللاحقة مثل حمام السوق وفرن الخبز ومهن تقليدية عدّة.

السينما الواقعية الإيطالية التي تأثّر بها صاحب فيلم "شارع البهلوان" (1948) خرجت في تلك الفترة من الاستديو إلى التصوير في الشوارع والحارات والأسواق بشكل بسيط ومباشر يعكس طبيعة الحياة لدى الطبقات التي تسكن تلك الأمكنة ومشاكلهم، لكنه بدلاً من ذلك نقل تلك العناصر إلى الاستوديو ما شكّل إحدى نقاط ضعف "الواقعية" في مصر، لم يتمّ يتجاوزها إلا بعد فترة طويلة.

مثّل "لك يوم يا ظالم" الانطلاقة الحقيقية للمخرج الشاب الذي انتقلت عائلته صغيراً من قرية الحومة في محافظة بني سويف في الصعيد، لينشأ في حي بولاق الشعبي في القاهرة، ويعمل بعد حصوله على الشهادة المتوسطة في مصنع للنسيح حتى تعرّف إلى المخرج نيازي مصطفى الذي ساهم في انتقاله إلى العمل في المونتاج باستوديو مصر لعشر سنوات، وهناك قرّر أن يمتهن الإخراج بعد أن أيقن باكراً أن حظوظه كممثّل نجم قليلة جداً.

قامت رؤية أبو سيف السينمائية على رفض تزوير الوقائع، والتي صاغها بقوله "أفسر الواقعية بأبسط الكلمات وهي الصدق... وأن تحاول إعطاء حلول أو علاج يتسم بالصدق ولا يلجأ للهروب والتزييف"، ليجسّدها في ثاني أفلامه الواقعية "الأسطى حسن"، والذي ركّز فيه على التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء الذين يسكنون في حييّن متجاورين لا يفصل بينهما سوى النيل، في التقاطة تنسحب على العديد من الأحياء القاهرية.

دافع صاحب فيلم "الحب بهدلة" عن بطله الشعبي وحواديته التي تنتمي إلى عوالم مسحوقة ومهمّشة، بأنه يقارب حياة المصريين وليس حياة الباشوات، ومع النجاح الذي حققته هذه الموجة من الأفلام بعد ثورة يوليو التي تبنّت خطاباً يتبنى أيديولوجية اشتراكية إلى حدّ كبير، انتبه أبو سيف إلى موقعه على خارطة الفن السابع في بلاده، مندفعاً إلى عرض نماذج متعدّدة من المضطهدين في المجتمع.

اقترن أبو سيف باسم نجيب محفوظ الذي كتب سيناريو عدد من أفلامه في تلك المرحلة، ومنها "الوحش" (1954) وفيه يُقدّم المجرم كتمثيل لشبكة علاقات اجتماعية تديره وتوظّفه من أجل تحقيق مصالحها، وحين يصبح مصدر تهديد لها فإنها تتخلّص منه لتصنّع مجرماً آخر، و"الفتوة" (1957) الذي تناول شخصية تاجر يمارس الاحتكار متحالفاً في إرساء قواعد السوق التي يتحكّم به مع السلطة، و"المجرم" (1978) والذي اعتبره نقّاد إعادة غير موفقة لفيلمه "لك يوم يا ظالم".

معظم تلك الانتقادات اتكأت بشكل كبير على العوامل النفسية التي تُخرج "الوحش" من الإنسان، الذي برع صاحب "الطريق المسدود" (1957) في تشكيلها ضمن سياق واقعي ملائم، وعلى العوامل الاجتماعية عبر الاهتمام بالتحوّلات التي تؤدي إلى انحدار القيم، إلا أنه قدّم بعض الأعمال التي غلب عليها النقد السياسي ومنها "القضية 68" (1968) عن نص مسرحي للطفي الخوالي حيث هاجمته صحف العهد الناصري بحدّة غير مسبوقة.

الفيلم لا يزال صالحاً لتصوير واقع جميع الأنظمة العربية بقصته البسيطة عن حارة شعبية تواجه مشكلة تشقق في إحدى عمارتها، لتنقسم لجنة الحي بين تيار ثوري شبابي يطالب بحلّ جذري لها وبين تيارٍ يهوّن من الأمر دفاعاً عن مصالحه الخاصة، ليبقى الجدل بينهما حتى تسقط البنابة وتسبب كارثة كبرى.

يُحسب لأبو سيف أن كثيراً من المخرجين سعوا إلى تقليده وفشل معظهم رغم استحضارهم للعديد من أدواته شكلاً ومضموناً، غير أن تك القلّة التي تتلمذت على يده أو تأثرت به ستحقّق نقلات نوعية في السينما المصرية مثل عاطف الطيب ومحمد خان ورأفت الميهي وآخرين.

دلالات